نصدق أن في طوقه أن يحب فتنفرد لديه حبيبته، ويحبس عليها قلبه؟
قلت: وهذه الحرق التي في كبدي منك، ما هي وما مصيرها
قالت: هي الهوى الغاوي ومصيرها إلى غيرها من غيري
ثم اضطجعت إلى ظهر المقعد تبتسم وتخفي ابتسامتها كأنها شاعرة بغيظ فؤادي فقلت: وهذه الألفة التي بين روحي وروحك من أين جاءت إذا لم تكن بنت الحب؟
فقطَّبت بعض جبينها الوضاح، وظهرت لي كأنها تنكرني وتتنكر لي، ففلقت بهذا كبدي ثم قالت: هذه الألفة؟. . سل عنها قلبك. . .
أواه منها!! أواه منها!! ما كان أقساها
وسكتنا فترة وكلانا في حاله. . . هي في دلالها تتأود وتهز ساقاً موضوعة فوق ساق، وأنا في حنقي أتلوَّى واضغط يداً مضمومة إلى يد، ثم نظرتُ إليها ونظرتْ إليَّ فقلت: هل تعلمين كيف أنت ألان في قلبي؟
قالت: لا إخالني إلا ممقوتة مقت الحقيقة عندما تكون مرة
قلت: بل محبوبة حب الدلال في الجمال. . . إني أراك ألان فاتنة أخرى ممثلاً في فتنتها عناد الفتنة؛ فأنت في عيني برق يثور على برق؛ أما أنا فلست أنا. انظري. . . هل تَرينني كما كنت قبل دقائق إنساناً بحالة إنسان؟
فسرّحتْ طرفها في هيكلي، فاقتحمتْ نظراتها إلى قلبي فذابت في دمي وجرت في عروقي، وكانت النظرات شيئاً حلواً في شيء مر. . . كانت رضا في غضب، وإغراء في صد، وليناً في صلابة
ثم كفتَّ الغادة بصرها وقالت: لو لم يكن غرام الشعراء غرام برهة من الدهر قد تطول وقد تقصر لما كان مزعزعاً مُخلّى، ولكان فيه أظهر ما في الغرام؛ ولكن من حكمة الله أنه يخلق في كل شيئا كامل شيئاً ناقصاً ليجعل الكمال في الدنيا غاية لا تدرك
قلت: الشاعر يخلق موعوداً بحبيبة يتناهى إليها الجمال في رأيه، فيعيش ما يعيش هائماً على وجهه بين مراتع الغيد يفتش عن تلك الحبيبة المجهولة، فتجنح به عيناه إلى كثيرات يتخايلن له بتلك التي في غيبه. . . حتى إذا صادفها وعرضت له جمعته على حبها وأخرجته من طور الفكرة المشعثة إلى طور الفكرة الملمومة. . . وهانت التي كانت في