للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قالت النفس الأولى: الغاية يا صاحبي واضحة؛ إننا نسعى لخدمة هذا الجسم الذي نحمله، نحيا لنسد حاجاته، وإجابة رغباته، وإمتاعه بملذاته

قالت الثانية: خسئت أيتها (النفس الفاجرة!) إننا لم نسخر من أجل هذا العنصر الأجنبي؛ إن الجسم ليس منا

قالت الأولى: أفهو إذن من غيرنا؟ وقهقهت ضاحكة

قالت: اسخري من نفسك، إنه لو كان منا، لما عشنا إلا فيه ولم نعش بعده؛ إنه ثوب نلبسه ونخلعه، أفيكون الثوب جزءا من اللابس؟

قالت الأولى: إنني لم أفهم فلسفتك، أتزعمين أن يدي ورجلي ليستا مني؟

قالت: نعم إن المرء لو قطعت يده أو رجله، أو ذهب سمعه أو بصره، لا تنقص نفسه شيئا، بل لقد يكون الأعمى الأصم أكمل نفساً، وأقوى عقلا، وأسمى روحا، من السميع البصير؛ وإنك لتعلمين هذا، ولكنك (نفس سوء) تريدين الاستمتاع بشهواتك، ونحن لا نحيا لنيل الشهوات!

قالت الأولى: فلم إذن نحيا يا أيتها (النفس المفكرة؟)

قالت: نحيا لنكشف خبايا الوجود، لنستطلع طلع الكائنات، لنعرف نواميس الكون وأسرار الطبيعة. . . من أجل هذا نحيا

فانبرت لها نفسي الثالثة. . . فقالت:

- كنت أظنك عاقلة تفهمين وتعرفين، فإذا أنت جاهلة. ويحك! ما نحن والوجود؟ مالنا وللطبيعة؟ ماذا يعنينا أكانت المجرة نهراً في السماء، أم كانت مجموعة من الكواكب؟ وماذا ينفعنا أن يكون في المريخ ناس، أو يكون مقفراً لا ناس فيه؟. . . مالنا ولهذا الفضول؟

قالت الثانية: إنك (نفس شاعرة) تنكرين قيمة العلم

قالت: إن هذا العلم خسران لك يا حمقاء! إنك كنت ترين في الكسوف حادثاً غريباً مليئاً بالأسرار يبعث فيك عالماً من العواطف، فلما علمت انه حادث طبيعي: كوكب يقوم بحذاء كوكب، ضاع معناه، وانتفت أسراره، ولم يعد يثير فيك عاطفة، أو يهيج فيك حسا

قالت الثانية: وما قيمة العاطفة؟ أتريدين أن ندع العلم من اجل عاطفة؟

قالت الثالثة: لا. بل تعلمي، ولكن تعلمي ما تحتاجين إليه؛ العلم دواء يؤخذ بمقدار الحاجة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>