ورأينا السياسة الفرنسية، تضطرب لهذا التطور المزعج في الشؤون الإسبانية. ولكي نقدر خطورة هذا الظرف يجب أن نرتد بالذاكرة إلى حاث مماثل وقع في ظروف مماثلة، ذلك هو حادث أغادير الشهير الذي كاد يثير ضرام الحرب بين فرنسا وألمانيا؛ ففي أغسطس سنة ١٩١١ ظهر في مياه أغادير المراكشية (وأغادير واقعة على المحيط الاطلنطي) طراد ألماني، وطلب القيصر في نفس الوقت (مركزا لألمانيا تحت الشمس) واضطربت فرنسا لهذا الحادث واعتبرته انتهاكا لحقوقها التي كفلتها معاهدة الجزيرة والتي عقدت بين الدول العظمى ومنها ألمانيا، ونصت على أن حفظ النظام في مراكش هو من شان فرنسا وأسبانيا وحدهما؛ واشتد توتر العلائق بين الدولتين ويومئذ لاح شبح الحرب بينهما في الأفق؛ ولم تسحب ألمانيا طلباتها ووعيدها إلا بعد مفاوضات طويلة شاقة، وبعد أن تنازلت لها فرنسا عن بعض أراضيها في الكونغو؛ والآن وقد بسطت فرنسا حمايتها على مراكش، ووطدت في مركزها وسلطانها، وأضحت جزءاً من إمبراطوريتها الضخمة في شمال أفريقية، فإنها ترتجف لأقل بادرة تهدد مراكش أو أي جزء آخر من أجزاء هذه الإمبراطورية الغنية؛ وقد كانت فرنسا تتوجس جزعاً مذ قامت الثورة الأسبانية، واضطربت شؤون مراكش الأسبانية التي تحد أملاكها من الشمال، وأضحت منطقة عسكرية خطرة؛ فالآن يزيد جزعها وتتضاعف مخاوفها إذ ترى الجنود الألمان ينزلون في هذه المنطقة ويعسكرون في مليله على مقربة من الحماية المراكشية
وهنالك ما يدل على أن هذا الحادث يشبه حادث أغادير من كل الوجوه. ذلك أن ألمانيا أثارت حادث أغادير لأطماع استعمارية، واستغلته لإرضاء هذه المطامع، وهي الآن تعيد الكرة، وتجيش بنفس الأطماع. وليس من المصادفات أن تنزل الجنود الألمانية في مراكش الأسبانية في نفس الوقت الذي تتقدم فيه ألمانيا بمطالبها الاستعمارية إلى فرنسا وإنكلترا بصورة رسمية. وقد كانت ألمانيا تروج لمطامعها الاستعمارية منذ اشهر وينادي بها زعماء ألمانيا المسؤولون في شدة وصراحة؛ وقد أجابت فرنسا وإنكلترا غير مرة على لسان ساستها وصحفها انهما لا تفكران في النزول عن شبر من الأرض لألمانيا، ولكن ألمانيا لم تنثن عن ندائها ومطالبها؛ ومنذ أسابيع قلائل كان وزير الاقتصاد الألماني الدكتور شاخت يكرر هذه المطالبة بعنف وبشدة ويصرح بأن استعادة ألمانيا لمستعمراتها لم يبق مسألة