كرامة فقط، وإنما أضحى ضرورة اقتصادية ترزح ألمانيا تحت عواملها المرهقة، وينذر أوربا بالانفجار إذا لم تعط ألمانيا حقها من المستعمرات والمواد الخام؛ ثم اتخذت ألمانيا بعد ذلك خطواتها الرسمية الأخيرة، بتقديم مطالبه الخاصة بالمستعمرات إلى فرنسا وإنكلترا، مقرونة بمناورتها البحرية في المياه الأسبانية الشمالية، وبمناورتها العسكرية في شمال مراكش
فهل تزمع ألمانيا أن تستغل هذه المظاهرات العسكرية لتحقيق مطامعها الاستعمارية؟ هذا ما نعتقد؛ ولقد جرت ألمانيا النازية في العهد الأخير على سياسة المجازفة والوعيد والتظاهر، وجنت ثمار هذه السياسة في نقض ميثاق لوكارنو، وفي تسليح منطقة الرين الحرام، وفي غيرهما، واستطاعت أن توقع بسياستها الخلاف في صفوف الحلفاء السابقين، واضطرت فرنسا أن تسلم بالأمر الواقع في هذه المسائل مع إنها مما يمس سلامتها؛ فهل تني فرنسا أمام الوعيد والتظاهر مرة أخرى؟ هذا ما لا نعتقد؛ ففرنسا تنظر إلى أعمال ألمانيا ومشاريعها في أسبانيا وشمال إفريقية بمنتهى التوجس؛ وألمانيا تصيب هنا نقطة حساسة جداً في السياسة الفرنسية، وقد ظهر اهتمام فرنسا واضحاً في ذهاب وزير حربيتها إلى شمال أفريقية ليتفقد أعمال الدفاع، وفي حركات أسطولها حيث تجتمع وحدات كبيرة منه على مقربة من المياه الأسبانية؛ وقد بادرت فرنسا بالاحتجاج لدى حكومة بورجوس على السماح للجنود الألمانية بالنزول في مراكش طبقا لما تنص عليه معاهدة الجزيرة من تحريم مثل هذا الأجراء؛ ومن المحقق أن فرنسا لن تتساهل على الإطلاق في مشاريع ألمانية في هذه الناحية خصوصا أن مراكش الأسبانية تقع وسط إمبراطوريتها الأفريقية كما إنها تشرف من جهة البحر على طريق فرنسا الإمبراطوري؛ وإنكلترا لا تستطيع مثل فرنسا أن تتسامح في وجود الجنود الألمان في هذه المنطقة على مقربة من ثغر سبتة المواجه لجبل طارق والذي يعتبر أهم من جبل طارق ذاته بالنسبة للأشراف على مدخل البحر الأبيض المتوسط، وقد بدأت إنجلترا مثل فرنسا في حشد جانب كبير من أسطولها على مقربة من المياه الأسبانية؛ فالسياستان البريطانية والفرنسية تجمعهما هنا سياسة موحدة، وتحدوهما إلى العمل المشترك بواعث مشتركة لا شك في خطورتها
والمعروف أن ألمانيا منذ قيام الحرب الأهلية ترنو إلى استغلال هذه الأزمة الأوربية