في الصحراء واعتنق النصرانية، ثم ترهب وقضى أيامه هنالك؛ ثم يقول انه، أي المؤرخ، حين ما كان بدمشق سمع بعض كتاب الأقباط يقولون إن الحاكم حينما اشتد في مطاردة النصارى ظهر له يسوع المسيح كما ظهر لبولس الرسول، فآمن به، وتوارى سراً في الصحراء حتى توفي
ومما يجدر ذكره إن هذه الأسطورة - أي أسطورة تنصر الحاكم وترهبه ليست هي الأولى من نوعها، فقد نسب جده المعز لدين الله إلى مثل ما نسب إليه، وزعمت الرواية الكنسية إن المعز تأثر بما شهده من معجزة نصرانية هي تحرك جبل المقطم لدى صلوات الأحبار النصارى وتضرعاتهم، فنزل عن الخلافة لولده العزيز وتنصر وترهب، ودفن في إحدى الكنائس
ويجب لكي نقدر مغزى هذه الروايات الكنسية إن نذكر الظروف التي نشأت فيها، وان نكر موقف الكنيسة القبطية ونفسية المجتمع النصراني في عصر الحاكم بأمر الله: فقد عانت الكنيسة وعانى النصارى في هذا العصر ضروبا مرهقة من الاضطهاد المادي والمعنوي، وجازت الكنيسة شر محنة نزلت بها منذ عصر الاضطهاد الروماني، فهدمت بيعها وأديارها، ونبهت أموالها، وبدد تراثها المقدس، وثل الأحبار كل هيبة ونفوذ، وامتحن الكثير منهم، وعانى المجتمع النصراني من القوانين والفروض الجديدة شر ما تعانيه اقليه مضطهدة من ضروب العسف والذلة والإرهاق؛ ومن ثم فان الروايات الكنسية المعاصرة تصور لنا هذا العصر، عصر استشهاد للكنيسة ورعاياها، وتحدثنا في مواطن عديدة عن مختلف المعجزات النصرانية التي ظهرت في هذا العصر والتي كانت الكنيسة تستمد منها العزاء والصبر على مغالبة المحنة؛ ومنها قصة فتى مسلم يسمى ابن رجاء تأثر بمعجزات المسيح فتنصر وترهب، ورسموه قديساً باسم بولس ولقبوه بالواضح؛ ومنها قصة أبي نجاح النصراني، وكان من أعيانهم وأكابرهم فأراد الحاكم إن يرغمه على الإسلام فأبى فأمر بجلده حتى توفى، وزعمت الأسطورة إن الماء كان يقطر من لحيته أثناء ضربه، وان المسيح ظهر له وتولى سقايته أثناء تعذيبه؛ وقصة الرئيس الفهد الوزير، فقد قتله الحاكم لأنه أبى الإسلام وأمر بإحراق جثته، ولكن النار لم تؤثر فيها؛ وقصة البطرك زخاريا فقد اعتقله الحاكم وطرحه للسباع لتأكله ولكنها نفرت منه ولم تمسه بأذى؛ وغير ذلك من