الخوارق المزعومة التي تدل على روح الكنيسة وعقليتها في هذا الظرف العصيب، وعلى جنوحها إلى الاستعانة بسيل من الأساطير والمعجزات الجديدة لتأييد هيبتها المقوضة، وتقوية نفوس رعاياها والمؤمنين بقدرتها وسلطانها
فهل نعجب إذا كانت الرواية الكنسية تحدثنا عن مصير الحاكم بأمر الله بهذا الروح ذاته فتحيط هذا المصير بأسطورة من أساطيرها، وتضيف بذلك معجزة إلى معجزاتها؟ إن في تقديم الحاكم بأمر الله، الخليفة الفاطمي، في ثوب النادم المستنيب، يبدو له المسيح، فيرتد عن دينه ويعتنق النصرانية، ثم يترهب، ويقظي بقية حياته في بعض الأديار النصرانية، لأعظم معجزة تقدمها الكنيسة إلى المؤمنين، واعظم ظفر تستطيع إن تصوره لرعاياها في هداية ذلك الذي انزل بهم شر البلايا والمحن أعواما مديدة، ثم انتهى به المطاف إلى إن غدا جندياً من جند المسيح. إن في هذه الخاتمة لأعظم عقاب للآثم، واعظم ترضية للكنيسة والمؤمنين، وابلغ انتقام يمكن إن تنزله الكنيسة بخصيمها
- ٢ -
ولا ريب إن التاريخ لا يمكن يحفل بمثل هذه الأسطورة التي لم يؤيدها أي دليل أو أية قرينة سوى الرواية الكنسية التي تنفرد بترديدها، والتي تنم في الحال عما وراءها من الغايات والبواعث؛ بيد إن هنالك في الرواية الكنسية الأولى شيئا واحداً يمكن الوقوف به، وهو ما تنوه به من اختفاء الحاكم أو غيبته دون الإشارة إلى مصرعه بصورة من الصور. ذلك أن هذه النظرية - نظرية الاختفاء - لم تكن دون صدى في حوادث العصر ووثائقه. وإذا استبعدنا فكرة المؤامرة والجريمة مدى لحظة، واستبعدنا ما ينسب إلى الأميرة ست الملك من أنها هي التي دبرت مصرع أخيها على الوجه الذي بسطنا، فان الحوادث والقرائن الأولى التي عقبت ليلة السابع والعشرين من شوال تسبغ على فكرة الاختفاء مسحة من الاحتمال. ذلك إن مصرع الحاكم أو وفاته لم تكن أول ما خطر لرجال القصر والدولة، بل كان أول ما خطر لهم فكرة الغيبة، فخرجوا في اثر الحاكم عدة مرات يبحثون عنه ويستقصون أثره قبل إن يؤمنوا بمصرعه؛ ولبث الكرسي الخلافي شاغراً مدى ستة أسابيع حتى يوم عيد النحر (العاشر من ذي الحجة)، ولم ينادى بالخليفة الجديد حتى استقر لدى رجال الدولة إن الحاكم قد لقي حتفه بصورة من الصور أو على الأقل قد ذهب إلى