العربي، على حين كان أدبهم هم خالياً من الفحول على الإطلاق؛ ثم نشأت طبقة منهم تؤلف باللغتين وتساهم في الأدبين، وبذلك بدأ الأدب الفارسي في الظهور وكان الشعر اسبق من النثر؛ فلما استقلت فارس واستعادت سيادتها القومية في ظل السامانيين والبويهيين ومن بعدهم، نبغ فيهم رهط كبير من الشعراء والكتاب عكفوا على إحياء أدبهم وإثرائه، متأثرين خطى الأدب العربي في المواضيع والأشكال الأدبية والأوزان الشعرية والألفاظ، واخذوا عن العربية ما كان قد داخلها إذ ذاك من محسنات وصنعة؛ وبينما دخل الأدب العربي في طور ركوده افتتح الأدب الفارسي عصر رقي رائع طويل، ضارع فيه الأدب العربي وفاقه في كثير من الأبواب، كشعر الملاحم ووصف محاسن الطبيعة، ونال بعض فحوله كالفردوسي والخيام من الشهرة العالمية ما قصر عنه فحولة العربية
وكان للأدب العربي اثر كبير في آداب الأمم الغربية؛ ولكن بينما تأثرت الآداب الشرقية بالأدب العربي الفصيح، كان الأدب العربي العامي هو الذي اثر في الآداب الغربية: فالأقاصيص الشعبية وضروب الأزجال التي فشت في الأندلس كانت نواة الأدب الإسباني الحديث الذي تمثل في عهد النهضة الأوربية في قصص سرفانتيس، والذي أثر في الأدبين الفرنسي والإنجليزي أثراً مذكوراً فيما بعد؛ وتلك الأقاصيص والأزجال انتقلت من إسبانيا إلى جنوب فرنسا، حيث نشأ شعراء التروبادور الذين وضعوا اللبنة الأولى في أساس الشعر الفرنسي الحديث. أضف إلى ذلك ما نقل من تلك الأشياء إلى الأدب الإيطالي وأثر في كتابات بوكاشيو وبترارك ودانتي، وما تسرب إلى الأمم الأوربية في عهد الحروب الصليبية. هذا إلى قصص ألف ليلة وليلة التي انتقلت إلى أوربا من عهد بعيد وترجمت إلى لغاتها، وكانت موضع إعجاب الأدباء واقتباسهم
وللأدب العربي أثر ثالث عظيم الخطر عديم النظر، لم يتأت حتى للأدب اليوناني أن يأتي بمثله: ذلك هو حلوله محل غيره في الشام والعراق وشمال أفريقية، حتى نسي أهل كل قطر من هاتيك ما كان له من أدب قبل ذلك، واصبح تاريخ الأدب في كل إقليم منها يبدأ بعهد الجاهلية في جزيرة العرب. والواقع أن الأدب العربي لم يسد تلك البقاع لمجرد قوته وحيويته، وإنما تمكن من الإتيان بتلك المعجزة بفضل ما صاحبه من ظروف وعوامل، كقوة اللغة العربية ذاتها وكونها لغة الدين الجديد والدولة، ثم السياسة الحكيمة التي سلكها