للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وجزر، ولكن هذه الأمواج تتكسر على صخرة الإيوان ثم ترقد ضعيفة وانية، والإيوان مشمخر عات، لا ملك اعظم من ملكه، ولا سلطان اعظم من سلطانه، ولا إنسان اعز من ربه؛ وامتد ببصري إلى المشرق والمغرب فلا أرى كالإيوان ثروة وجاهاً وعظمة ومجداً.

ولكن. . . مه! إن في البادية لشيئاً جديداً؛ إنها تضطرب وتهتز؛ إن فيافيها تتمخض بالحياة، ها هوذا النور يشق الضباب الكثيف، حتى يلمع كالبرق الخاطف، بين قصور المدائن وتحت أقبية الإيوان. . . لقد ضرب محمد (صلى الله عليه وسلم) صخرة الخندق، فأضاءت المعجزة الإيوان، فوعده اتباعه وقال لهم: هذا الطريق.

يا للعجب العجاب! إن هذه القرية الملتفة في ألحفة الرمل، النائمة على صخور الحرة، المتوسدة سفح أحد، وجوانب سلع، تريد أن تأكل المدائن!. . بلغ كسرى الخبر، فضحك حتى استلقى. . . ثم جاء كسرى الكتاب، فعبس وبسر، واعرض واستكبر، ومزق كسرى كتاب سيد العالم. . .

لقد نطق سيد العالم بالحكم النافذ: ليمزقن الله ملك كسرى.

وفتحت عيني فإذا الحلم قد تصرم، فغاضت المدائن في الأرض ونزعت الجدران ثيابها، وابتلعت الصحراء زهرها ووردها، وعادت قاحلة ليس فيها إلا هذه الأنقاض جاثمة على ظهرها، قد حطمها الكبر، وثقلت عليها السنون، فانحنت حتى تسلق صبية القرية سطحها يلعبون عليه. . .

الصبية يعلبون على سطح الإيوان! أين كسرى يرى ما صار إليه إيوانه؟ أبناء العرب يتلهون بمجلسك يا شاهنشاه! لقد قوض المجلس، وثل العرش، وهوى التاج، فما أنجدك الجند، ولا أغنى عنك الغنى، ولا حمتك الحمية، ولا آواك الإيوان!

لقد مزق البدو ملكك يا كسرى؛ وما هذا عجيباً، فالتمزيق اسهل من الترقيع، والهدم اهون من البناء؛ ولقد هدم البرابرة من قبل عرش الرومان. . . غير أن هؤلاء البدو - يا ملك - قد أسسوا حضارة خيراً من حضارتك، وبناء اجل من بناءك، وحكموا اعدل من حكمك. وقد أثمرت حضارتهم حضارة القرن العشرين، وحضارتك لم تثمر شيئاً.

لقد بنت ديمقراطية عمر الذي كان ينام على التراب، ويلتحف بالبرنس، ويؤدب بالدرة، ويعين الفقير، ويخدم العجوز، وينصف من نفسه، لقد بنت ديموقراطيته دولة. أما جبروتك،

<<  <  ج:
ص:  >  >>