من مظهر رغبة وقتية تزول إذا زال الداعي إليها كما يجوع المرء فيشتهي الطعام، حتى إذا أصاب شبعه صد عنه ولم يعد يذكر إلى أن يجوع مرة أخرى. . . فلا أرق ولا شوق ولا أحلام ولا بكاء، وإذا حرمت حظاً في باب الحب فكما يحرم المرء نصيباً من لون من ألوان الأكال كان يشتهي أن يفوز به. . وما أكثر ملايين الناس الذين يعيشون محرومين ويعلمون أنهم محرومون ومع ذلك يحيون ويسعدون بالحياة. . . كذلك كنت. ولم يكن إخواني كذلك، ولا كان الذين اقرأ أخبارهم في كتب الأدب مثلي، فكنت استغرب وأنكر من نفسي هذا الجمود أو إن شئت هذه الحصانة أو المناعة من الحب بالمعنى المعروف المألوف. الحب الطاغي العنيف الذي لا يفتر ولا يخبو له ضرام والذي يذكرك بمجنون ليلى وأشباهه. فأغراني هذا الذي بلوته من نفسي بالتكلف ولججت في التكلف حتى لكان يخيل إلي أحياناً أن الأمر صار جداً لا هزل فيه. وكنت أشجع نفسي على الأرق وأحثها على التذكر والشوق، وألح عليها بأجمل شعر الغزل في الأدب العربي والآداب الغربية لأوحي إليها الروح الذي ينقصها، وكنت أتمثل هذه الحالات التي يصفها الشعراء واسمع بها من الأخوان، وأروض نفسي على مثلها وأجعلها تستغرقني حتى قلت شعرا كثيرا في ذلك لا يشك قارئه في أنه صادر عن عاطفة صادقة عميقة قوية. ولم أكن أنا أشك في أن الأمر كذلك أيام كنت أقول هذا الشعر لأني لم أزل أعالج نفسي بالإيحاء إليها حتى صار الأمر أشبه ما يكون بالحقيقة. ولكني كنت في أعمق أعماق نفسي أدرك الحقيقة. وكنت أمتحن نفسي أحياناً بالبعد فلا أراني اشتاق أو أتلهف أو أتحسر أو أصبو إلى آخر ذلك. وأخيرا مللت هذا التكلف. وهذا من أسباب تركي للشعر. وثم أسباب أخرى ولكن هذا من أكبرها إذا لم يكن أكبرها).
فاستغرب صاحبي وجعل ينشدني بعض ما يحفظ - وما نسيت أنا - من شعري، ويسألني أكان هذا تكلفا، فقلت له (لم يكن الشعور الموصوف في هذه الأبيات كاذبا، فانه كان صادقا في ساعته. . كان حبا قصير العمر جدا. . حب ساعة. . إعجاب إذا شئت، نشوة عارضة كنشوة الخمر. وكونها عارضة. . . من فعل الخمر أو بتأثير الحسن لا يمنع أن الشعور الذي تحدثه صادق في حينه. وقد يلح المرء على نفسه بالإيحاء إليها حتى يشعر بما يشعر به العاشق الحقيقي. فيكون شعوره أيضاً في حينه صادقا. ولكن بعد ذلك. . بعد أن يثوب