كنت تذكرين دائماً رحلتنا الهنيئة وسفرتنا الرغدة، يوم نشأ غرامنا الخالد وبدأ حبنا المقيم، فكنا ننعم على ذوائب الصخور القديمة التي شهدت مجد الأولين حيناً، وحينا على ضفاف البحيرة الساكنة، نرقب أمواجها الهادئة، ونستمع إلى أصوات مياهها العذبة، فتحمل نفوسنا على جناح النعيم حيث نسلو العالم الصاخب.
كنت أخوض معك الظلماء التي أنتجها التفاف الأشجار. وأسير جنبك تحت الظلال الوارفة والأفياء المنتشرة، نهبط الربى لنصعد الجبال. لحظة سعيدة مرت أصغينا خلالها لموسيقى النجوم الغامضة، وأصخنا بسمعنا إلى غناء الكواكب الجميل، لا صخب يتخلله ولا ضوضاء تمسك ألحانه
كم دهشنا لهذه الصورة الجميلة التي تغطي العالم، عدنا أدراجنا إلى المعبد، خشعنا أمام الضوء الخافت الذي يرسل أشعة متضائلة تبعث إلى القلب الرهبة، والى الأجسام الرعشة. سكرى من جمال الوجود، كنت ترددين النظر بين الأرض والسماء ثم تهتفين:
(إله الغيب، هذه الطبيعة مأواك، عندما نتأمل بنظراتنا صنع يديك، الروح تراك متمثلا في كل صورة من إبداعك، فهذه الدنيا صورة كمالك: النهار نظرتك، والجمال ابتسامتك. في كل مكان القلب يعبدك، والنفس ترجو أن تدب فيها الأمل وتنفخ طياتها روح العمل
(أيها الخالد اللانهائي القدير الجليل! إن قلمي ليعجز عن وصف اسمك وكتابة حسناتك، والروح التي حبيتها بنفختك تمجد عظمتك حتى تخمد فيها الحركة، وتسكن بين جنباتها الخفقات
(أيها الإله القدير! إن الروح لتخضع لحكمتك العليا وأنشودتك المثلى. تريد أن تطفر نحو علاك، وتثبت إلى سمائك. إنها لتشعر أن الحب هو ختام حياتها، فهي تحترق لمعرفتك وتلتهب لمرآك
كذلك كنت تقولين وبهذه النفثات كنت تناجين. وقلبانا يجمعان التنهدات، يمزجان الأنات، يصعدان الزفرات، يرسلانها صوب هذا الكائن العظيم الذي يدل عليه هوانا، ويشهد لعظمته غرامنا، نخشع بصلاتنا أمامه، نحمل طيات قلوبنا محبته واحترامه، يرسل إليه الفجر تخشعاتنا وتضرعاتنا، ويرفع نحوه المساء تذللاتنا وابتهالاتنا، وعيوننا السكرى بجمال ما صنعت يداه، تتأمل بين الفينة والفينة الأرض حيث نفينا والسماء مسكنه.