للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكانت معجزة سميت باسمه إلى اليوم، وضع تصميمها واشرف على عملها واشترك فيها بيده ونفخ فيها من روحه. كان فيدياس صديقاً مقرباً لبركليس، فأفادت هذه الصداقة إلى حد بعيد في إخراج معبد بارتنون على هذه الصورة من الجمال والروعة.

أقيم هذا البناء كما تشير الكتابات الخاصة به في القرن الخامس عام ٤٣٨، وافتتح عام ٤٤٧ ن. م.، ومن هذا يتضح أنه تم في عشر سنوات بعد مجهود جبار استغرق كل أيام السنين العشر. وإذا علمنا أن هذه الأعجوبة البنائية الرائعة شملت ٦٢ عمودا كبيرا و٣٦ عمودا صغيرا وحوالي الخمسين تمثالا بحجم الإنسان الطبيعي لتحلية الموضعين المثلثي الشكل من الناحية الأمامية والخلفية المحمولة على الأعمدة لتكوين واجهتي السقف الجمالوني وبأفريزه البالغ طوله ١٦٠ مترا حول البناء من نواحيه الأربع، واثنين وتسعين مستطيلا صغيرا انحصرت بين رؤوس الأعمدة وقاعدة السقف فكونت الأفريز؛ وأخيراً تمثال أثينا الذي بلغ ارتفاعه ثلاثة عشر متراً وصنع كله من العاج والذهب؛ إذا تمثلنا كل هذا الإنتاج الفني الهائل في بناء واحد تناسقت كل أجزاءه وانسجمت كل مشتملاته، وجدنا أنفسنا أمام عظمة قل أن يجود الزمان بمثلها مرة أخرى.

انظر إلى الأعمدة المتكررة دون إملال ودون تشابه (ش - ١)، وتصور إلى أي حد وصل فنانو الإغريق، والى أي درجة بلغت القدرة في الإنتاج الفني الذي يعد بحق آية من آيات القدرة الإنسانية في أبهى ما وصل إليه تفكيرها وشعورها بالوجدان والجمال.

والأعمدة كما ترى عملت مسلوبة من أعلاها، كما أنها لم تكن مستديرة صماء حفرت على طولها قنوات متوازية سارت على ارتفاع العمود فزادته حسناً وأكسبته حياة. حملت الأعمدة السقف الجمالوني الذي لم يبن فوقها مباشرة، بل ارتفع قليلا ليترك مكاناً إلى المستطيلات الصغيرة الملتفة حول محيطه الخارجي البالغ طوله ١٦٠ متراً كما سبق القول. وترى على هذا المحيط الإفريز الشامل لتلك المستطيلات المملوءة بالمناظر البارزة الأخاذة لبصر المشاهد المدقق. اشتملت كلها ما يمثل كثيراً من حياة الإغريق العامة والخاصة. والمجال هنا لا يسمح بالتوسع في التكلم عنها أو الإتيان بمعظم صورها. ولما كانت دراستنا في هذا المقال إجمالية، فإننا نأتي ببعض هذه القطع.

فإذا تأملت المتسابقين بخيولهم (ش٢) أخذتك روعة غريبة تملك عليك مشاعرك عندما تعلم

<<  <  ج:
ص:  >  >>