للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن هذا ما استطاع الفن الإغريقي إبداعه قبل المسيح بخمسة قرون.

انظر إلى الإنشاء الكلي للقطعة وتصور أن هذا منحوت على الرخام ومع ذلك ظهر بهذه القوة التي مثلت صورة تنبض بالحياة. انظر إلى الخيل وهي جامحة والى تفاصيل أجسامها وهي في غاية من الدقة، والى بروز عضلاتها التي لا تخالف أصول التشريح؛ ثم تأمل الفرسان واذكر قدرة فيدياس في عظمة إخراجه لهم دون تناظر ودون تماثل، لاشك ترى أن هذا دليل الغنى الفني إلى ابعد حدوده. تأمل عيون الفرسان وعيون الخيل تر اليقظة الكاملة في الأولى والوثوب التام في الثانية.

والصورة ٣ أوضحت لنا أربع نساء تحمل كل منهن آنية، ظهرت أجسامهن كاملة مغطاة إلى أعناقهن بملابس امتلأت بالحياة فالتعاريج والتفاصيل التي شملتها هذه الملابس لا ترى لها نظيراً في قوة الإخراج ولم يترك الفنان رؤوسهن متشابهة، بل جعلها تختلف الواحدة عن الأخرى مسجلا بذلك الحالة كما كانت، فضلا عما ينجم عن ذلك من تقوية درجة الاستمتاع النظري، فجعل اليمنى تربط الشعر برباط رفيع، على حين جعل الثانية بذؤابة صغيرة ظهر بروزها من خلف رباط الرأس، وتركت الثالثة شعرها مسترسلا على ظهرها، أما رابعتهن فقد أخفت الشعر تحت غطاء هرمي الشكل.

أما تفاصيل الوجوه فهي مع كونها تعبر عن جمال المرأة الإغريقية فإنها تمثل الخشوع إلى حد بعيد؛ إنهن يحملن ما بأيديهن بقصد التوجه إلى المعبد. أما نبل الإخراج فهو ظاهر من طريقته في تكوينهن الواحدة وراء الأخرى في انسجام.

وصورة حاملي الأواني (ش٤) تريك، فوق قوتها الفنية البعيدة إلى أي حد استطاع المثال أن يجعل من حركة سير الثلاثة رجال صورة رائعة لقدرته على الإخراج - تأمل صدر الرجل الأوسط تر الفنان لم يتركه دون حياة، فوضوح خطوط العضلات وبروزها مع ما تراه شاملا للقطعة من حسن التصوير ودقة الثنايا، كل هذا جدير بالإعجاب. إن غنى مادة فيدياس ظاهر واضح عندما تحقق من الكيفية التي سار عليها المثال في تكوين ذراعي كل رجل وكيفية حمله الآنية فوق رأسه وسندها بيمينه.

ومن قطع بارتنون الرائعة أيضاً اللوحة (ش٥) حيث ترى إلى أقصى اليسار رجلا جالسا يتحدث إلى شاب بجواره. مشيراً له بيسراه إشارة المستمر في الحديث، وهو ينصت إليه،

<<  <  ج:
ص:  >  >>