للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

خبت في الصحافة وكنت رأساً في الكلام؟

قال: نجحت أخلاقي فخابت آمالي، ولو جاء الوضع بالعكس لكان الأمر بالعكس. والمصيبة في هذه الصحف أن رجلاً واحداً هو قانون كل رجل هنا

قلت: وذاك الرجل الواحد ما قانونه؟

قال: له ثلاثة قوانين: الجهات العالية وما يستوحيه منها. والجهات النازلة وما يوحيه إليها. وقانون الصلة بين الجهتين وهو. . .

قلت: وهو ماذا؟

فحملق فيَّ وقال: ما هذه البلادة؟ وهو الذي (هو). . . أما ترى الصحيفة ككل شيء يباع؟ وأنت فخبرني - ولك الدولة والصولة عند القراء - ألم تر بعينيك أنك لو جئت يدفع ثمانمائة قرش، لكنت في نفوسهم أعظم مما أنت وقد جئت تهدي ثمانمائة صفحة من البيان والأدب؟

قلت: يا أبا عثمان. فما تكتب هنا؟

قال: إن الكتابة في هذه الصحافة صورة من الرؤية، فماذا ترى أنت في. . وفي. . وفي.؟ لقد كنا نروي في الحديث. (يكون قوم يأكلون الدنيا بألسنتهم كما تلحس الأرض البقرة بلسانها) فلعل من هذه الألسنة الطويلة لسان صاحب الجريدة. . .

قلت: ولكنك يا شيخنا قد نسيت القراء وحكمهم على الصحيفة.

قال: القراء ما القراء، وما أدراك ما القراء. وهل أساس أكثرهم إلا بلادة المدارس، وسخافة الحياة، وضعف الأخلاق، وكذب السياسة؟ أن الإبداع كل الإبداع في أكثر ما تكتب هذه الصحف، أن تجعل الكذب يكذب بطريقة جديدة. . . وما دام المبدأ هو الكذب فالمظهر هو الهزل. والناس في حياة قد ماتت فيها المعاني الشديدة القوية السامية، فهم يريدون الصحافة الرخيصة، واللغة الرخيصة، والقراءة الرخيصة. وبهذا أصبح الجاحظ وأمثاله هم (صعاليك الصحافة)

ودق الجرس يدعو أبا عثمان إلى رئيس التحرير، فنهض إليه ثم رجع بعنين لا يقال فيهما جاحظتان بل خارجتان. . . وقال: أفّ. (وحبط ما صنعوا فيها وباطلٌ ما كانوا يعملون).

كلا والذي حرم التزيُّد على العلماء، وبهرج الكذابين عند الفقهاء، لا يظن هذا إلا من ضل

<<  <  ج:
ص:  >  >>