للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أبرهة، وكان عبد المطلب رجلاً عظيماً وسيماً جسيماً، فلما رآه أبرهة أجله وأكرمه أن يجلس تحته، وكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سرير ملكه فنزل أبرهة عن سريره وجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه ثم قال لترجمانه (قل له ما حاجتك) فقال عبد المطلب (حاجتي إلى الملك أن يرد عليّ مائتي بعير أصابها لي) فقال أبرهة لترجمانه (قل له قد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم زهدت فيك حين كلمتني أتكلمني في مائتي بعير قد أصبتها لك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟) فقال عبد المطلب (إني أنا رب الإبل وإن للبيت رباً سيمنعه) قال (ما كان ليمنع مني) قال (أنت وذاك، أردد إليّ إبلي)

ويقال أن القبائل المقيمة حول مكة قد أوفدت رسلاً من لدنها ومن بينهم عبد المطلب فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت فأبى عليهم ولما استعاد عبد المطلب إبله انصرف إلى قريش فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في شعف الجبال والشعاب تخوفاً عليهم من معرة الجيش، ثم قام فأخذ بحلقه باب الكعبة وقام معه نفر من قريش فقال عبد المطلب:

لا هُمَّ إنَّ العبد يْم ... نع رحله فامنع حلالَكْ

لا يغلبنَّ صليبهم ... ومحالهم أبدا محالك

ولئن فعلت فربّما ... أولى فأمر ما بدا لكْ

ولئن فعلتْ فإنّه ... أمر تتمّ به فعالك

فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة فأقبل نفيل بن حبيب الخثعمي حتى قام إلى جانب فيله وقال (ابرك محمود وارجع راشداً من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام، ثم أرسل أذنه فبرك الفيل فوجهوه لمكة فأبى ثم للشام فهرول، وللمشرق واليمن ففعل مثل هذا، وأرسل الله عليها طيراً من البحر أمثال الخطاطيف يحمل كل طائر منها ثلاثة أحجار: حجر في منقاره وحجران في رجليه لا تصيب أحداً منهم إلا هلك وقد أشير إلى هذا الحادث في السورة الخامسة بعد المائة المعروفة بسورة الفيل حيث يقول تعالى (ألمْ تر كيف فَعَلَ رَبُّكَ بأصْحَاب الفِيل. ألمْ يَجْعَلْ كيْدَهُمْ في تَضْليل، وأرْسَلَ عليْهِمْ طيرْاً أبابِيل، ترميهِمْ بِحَجارَةٍ مِنْ سِجِّيل، فَجَعَلَهُمْ كَعَصفٍْ مَأكُول)

<<  <  ج:
ص:  >  >>