التاريخية الفذة التي هزت العالم هزة قوية في أبانها، وما زالت العصور التالية ترجع وتلتفت صوبه، وكل منها يشير إلى ما يبتغي من عبرة فيه أو يتحدث عنه حديثاً يوحيه إليه موقع الضوء عليه في ناظره، وهكذا كان شأن الأستاذ (توفيق الطويل) مؤلف هذا الكتاب عندما تناول بالبحث هذا النضال.
لقد نظر المؤلف الفاضل إلى تلك الحرب التي يسميها التاريخ بالحرب اليونانية كما نظر سواه إليها ووصفها ورسم لنا منها صورة خاصة لا أظن أنها تشابه صورة أخرى رسمها أحد في لغة العروبة فهو قد استدرج الذهن من موقعه إلى موقعة ومن صورة إلى صورة حتى بلغ به النهاية فأشار إليه مومئاً إلى ما تحت قدميه، فإذا بالعبرة التي كان يرمي إليها ماثلة واضحة لا يستطيع أحد أن يخالف فيها ولقد كانت الشعوب الإنسانية منذ القدم ينافس بعضها بعضاً في كل ميادين النشاط والمطامع، فلقد كانت تتنافس في امتلاك الأراضي وفي الانتفاع بالمراعي، وكانت تتنافس في القوة والمنعة ثم هي تتنافس اليوم في كل هذه المعاني بوسائل سلمية تارة وحربية أخرى. غير أن ذلك التنافس الإنساني كانت له مظاهر عدة، فقد كان يحدث بين وحدات القبائل الصغيرة في دائرة محدودة كما كان يحدث بين الأجناس والشعوب في دوائر أوسع، فأنا لا نكاد نجد عصراً خلا من محاولة شعب من شعوب الأرض سيادة سائر الشعوب ونبوغ شعب آخر يتصدى له بالدفاع، فإذا بشعوب الأرض موزعة بين الزعيمين المتناضلين حتى ينتهي الأمر بإذعان أحدهما أو انقراضه وضياع سلطانه. وقد حاول بعض علماء التاريخ أو الاجتماع أن يخلصوا من استقراء ما حدث من ذلك النضال في كل العصور إلى أن أجناس العالم بينها طائفتان كبريان لا تفتأ تميل إلى النزاع والنضال على سيادة الأرض، فيسمون طائفة من الطائفتين شرقاً والطائفة الأخرى غرباً، ويقول هؤلاء العلماء إن النضال بين هاتين الطائفتين دائب مستمر استمرار الليل والنهار فقد يحدث أن شعبين من طائفة واحدة يثوران حيناً للنضال ثم لا يلبثان أن يستقرا على نوع من التفاهم والتجاور، في حين أن الطائفتين الكبريين لا يستقر بينهما النضال بل لا تزالان تتصاولان وتتصارعان. فإما إحداهما سيدة غالبة، والأخرى تناضل في سبيل الحياة تجاهها، وإما أن تنقلب الآية فتصبح السيدة مسودة والمستضعفة سيدة، وهؤلاء العلماء يجعلون قرطاجة وروما رمزيين لهاتين الطائفتين الكبريين في العصور