للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صلبة متينة لا تسوخ فيها الرجل. والمرء يجوع فيشتهي الطعام أي يطلبه، لا لأنه يحب الطعام في ذاته، ولا لأن بينه وبين ما يأكل مودة، بل ليسد الحاجة التي يشعر بها ويقضي الرغبة التي تلج به ولا يستطيع أن يهدئها بغير الأكل. وكذلك يجوع جوعا من ضرب آخر - جوعا يطلب به إرضاء الرغبة الطبيعية في النسل إطاعة لغريزة حفظ النوع، كما يطلب بالأكل إطاعة لغريزة المحافظة على الذات. وكما لا يقال إن بين المحبين مودة. إنما تكون العلاقة بينهما قائمة على الرغبة في الالتهام أو الاستحواز إطاعة للغريزة لا عن مودة. والحبيبان أشبه بالمتقاتلين المتبارزين منهما بالصديقين المتوادين، لأن مطلب كل منهما الاستيلاء والغلبة؛ وهما لا يستعملان سلاحا ولا يحدثان جراحا، ولكن الواقع أن القبل والعناق والضم وغير هذا وذاك مما يكون بين المحبين - كل ذلك ليس إلا وسائل للتليين بغية التغلب. وقد استعمل الشعراء ألفاظا كثيرة كانوا فيها صادقين من حيث لا يشعرون، فذكروا في مواقف الحب وحالاته المختلفة المتعددة السيف والجراح والأكباد القريحة والقلوب المفجوعة والنفوس الكليمة والسهام وما إلى ذلك، فأشاروا إلى حقيقة العلاقة بين الحبيبين من حيث يحسون بها بالفطرة ولا يدركونها بالعقل. والحقيقة هي أن الحب حرب واقتتال وفتك، وغايته - وهي النسل - تنطوي على تعرض للتضحية الكبرى - على الأقل من جانب المرأة - وسبيله الإخضاع، فالمرأةتحاول إخضاع الرجل ليتسنى لها بذلك أن تجيء بالنسل الذي جعلتها الطبيعة أداة له. والرجل يحاول إخضاع المرأة ليتسنى له أن يجعلها تجيئه بالنسل الذي يطلبه بغريزته. والحال بينهما دائر أبداً على الكفاح. وفي شعر صادق - قديم أو حديث - لمحات عديدة تدل على التفطن إلى هذه الحقيقة ولو من غير إدراك تام صحيح جلي لها

والحب يتخذ الصورة التي يؤدي إليها التفاعل بين عاملين: الأول هو الدافع الغريزي للإنسان، والثاني هو مقاومة الجماعة، وهي مقاومة مرجعها إلى العرف والدين وما يجري هذا المجرى. وإلى تفاعل هذين العاملين وما ينتجانه فيما بينهما من الأثر ترجع الصور الشائعة للحب بين الجماعة. وقد كان التحرج شديدا في الجيل الماضي من ذكر الحب والاعتراف أو المجاهرة به، لأن التقاليد كانت صارمة وكان لها معين من الدين لا يستهان به، وكانت الجماعة تنزع إلى الاحتشام. وكانت قاعدة الحياة من هذه الناحية المثل المشهور

<<  <  ج:
ص:  >  >>