للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومن أدبائهم الذين طوفوا كثيراً ديفو الأفاق صاحب روبنسون كروزو. وجولد سمث الذي ضرب في أنحاء أوربا على قدميه وهو لا يملك شروى نقير، وكان يتكسب بالعزف على مزمار، وسبنسر الذي قضى ردحا طويلا في أرلندة، وبيرون الذي جول مراراً في أواسط أوربا وسواحل البحر الأبيض، وانتهى به المطاف إلى اليونان حيث استشهد في حرب الاستقلال، وشلي الذي قصد إلى إرلندة ليقودها إلى الحرية ويحقق فيها مجتمعه الفاضل، ثم آب إلى إنجلترا ومازال في ترداد بينها وبين أوربا إلى أواخر أيامه، تركت هذه الرحلات آثارها واضحة في الأدب، فمن سفراته اتخذ بيرون مادة لقصيده ولاسيما قصيدتيه الطويلتين: (تشايلد هارولد) و (دون جوان)، وفيهما يصف مشاهداته براً وبحراً وأثرها في ذهنه. وكتب شلي وكيتس وبروننج وهاردي الكثير عن آثار رومة وفنون إيطاليا عامة. وكان تنيسون في رحلاته يدون ملاحظاته لدقائق المناظر الطبيعية كي يعود إليها وقت النظم. وهيهات أن تتتبع آثار الرحلة ومظاهر الشغف بها في الأدب الإنجليزي، فهي مبثوثة في كل موضع منه

لم يقنع أدباء الإنجليزية بتدوين أوصاف رحلاتهم في آدابهم تدويناً مسهبا نابضا بالحياة، بل عمدوا - ولاسيما من قعد بهم الجد عن القيام بالرحلات الطوال التي يحلمون بها - إلى تخيل الأقطار البعيدة والمشاهد الغريبة والأمم العجيبة والحوادث الجسيمة وأودعوا كل ذلك قصصهم وأشعارهم ليشفوا غليل نفوسهم الظامئة إلى الجدة والحركة والجمال الطبيعي، فتخيل شكسبير وقائع رواياته في شتى بقاع الأرض والبحر، وتخيل كولردج مشاهد (الملاح القديم) في جهة من المحيط نائية مملوءة بالأسرار والألغاز، وتصور ستيفنسون في قصصه الحوادث الجسيمة في أقاصي الجزر والبحور، وهي الحوادث والمناظر التي كان يقعده الداء الممض عن مباشرتها بنفسه

ولجأ الأدباء إلى تاريخ ملاحيهم وجوابيهم يقصونه، وإلى الخرافة القديمة يستعينون بها على تصوير نزوعهم إلى الرحلة والمشاهدة في شتى الطور، كما استعانوا بتلك الخرافة في الكثير من فنون الأدب. ومن أبدع آثار ذلك قصيدة تنيسون المسماة يوليسيز باسم البطل اليوناني الذي تقص الأوديسا أخبار مغامراته، وقد أصبحت قصيدة تنيسون تلك عنوانا في الإنجليزية على حب الرحلة. تبدأ القصيدة ويوليسيز ملك في جزيرة إيثاكا، يتململ من

<<  <  ج:
ص:  >  >>