الإقامة، ويتذكر سالف مخاطراته ومشاهداته ووقائعه حول طروادة، ويحن إلى معاودة حياة التجوال في البر والبحر واكتساب المعارف بلا انقطاع، فيعول على ترك ابنه تليماك ملكا مكانه، ويهيب بصحبة الأقدمين الذين شيبتهم الأهوال في صحبته، أن يأخذوا مقاعدهم من السفينة، ويهووا بمجاديفها على الأمواج المصطفقة، فتنطلق بهم إلى حيث لا يعلمون، إما إلى الردى وإما إلى جزائر الفردوس حيث يلقون البطل أخيل. يصف تنيسون كل ذلك في أسلوبه الشعري الممتاز، وفي خيال معجب أخاذ، ويرصعه بوصف مطرب لمناظر الطبيعة جملا وفرادى، من سهول طروادة إلى أثباج اليم وهبوط حواشي الليل عليها، إلى تلألؤ النجوم على صخور الشواطئ البعيدة، وصعود القمر منها وئيداً.
ومن أجمل أشعار الحنين إلى الوطن ومناجاته قول جولد سميث في (القرية المهجورة): (قد كنت آمل دائماً - في جميع جولاتي في هذا العالم الرحب المملوء بالمتاعب وفي جميع أشجاني، وقد حباني الله نصيبي منها - أن أتوج ساعاتي الأخيرة بالقرار بين هذه المغاني البسيطة المتواضعة؛ وكنت آمل - إذا ما تقشعت همومي - أن أعود إلى الوطن، وفي الوطن أقضي نحبي، كما يعود الأرنب البري الذي تجد الكلاب والأبواق في أثره، إلى الجحر الذي أنطق منه أول مرة)
ومن أعذب الأشعار المترجمة عن حب الرحلة في الأدب الحديث مقطوعة الشاعر المعاصر جرالد جورلد:(الشمس طالعة في المشرق وفي المغرب البحر، وسيان أن كنت في الشرق أو في الغرب فهذا الظمأ إلى الرحلة لن يدعني أقر، بل يعصف بي كالجنون، ويحملني على توديع موطني، فالبحار تدعوني، والنجوم تدعوني، ويا شد ما تدعوني السماء! ولست أدري أين ينتهي الطريق الأبيض، أو اعلم ما تلك الجبال الزرقاء، ولكن كفى للمرء بالشمس زميلا، وبالنجم دليلا، ثم لا آخر للمطاف إذا ما هتف الصوت، إذ الأنهار تدعوني، والطريق يدعوني، ويا شد ما يدعوني الطائر! ذلك هو الأفق ممتدا، وهناك ليل نهار تعود السفن القديمة إلى أوطانها، وتنطلق السفن الصغار، وربما أعود أنا، ولكن لابد أن أذهب. فإن سألك سائل ما السبب، فالق اللوم على النجوم، والشمس، والطريق الأبيض والسماء!)
فحب الرحلة كان أمراً شائعاً في الأمتين، وقد نال أدباؤهما منها بنصيب، وظهر أثرها في