للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتحس آلامهم في قلبها. ولكنها لا تملك لهم شيئاً فلا تستطيع أن تفعل شيئاً، فهي محتوم عليها أن تظل صابرة على ما تسمع وما ترى. وأن تنسى نفسها بأولادها فتحمل كربتهم على كربتها، وأن تنظر دامعة ما يفلت من بين يدي القدر إلى يدي زوجها من رزقه الحبيس.

ووالد بائس يعلم أن ورائه أربعة أطفال يمرغهم الجوع بين أحضان أمهم البرّة فلا يغنيهم حنانها عن الطعام. . . ويعلم إنهم يحيون في غير الحياة، وينتظرون عودة الحياة في عودته!! فيندلق في الطرقات ناحية فناحية يتبع شيئاً ممنوعاً، هو رزقه، ويصل شيئاً مقطوعاً هو حظه، ويقطع شيئاً موصولاً هو فقره. . .

ولكنه لا يبلغ بسعيه وجهاده غير ما يقدر له. . . وماذا يقدر للفقير غير الفقر؟ يا ويلتا!! يا ويلتا لهم!!

وجعل الرجل والمرأة يتشاوران، وراح كل من الأولاد يطلب شيئاً بينما لا يكفي القرش ونصف القرش لشراء شيء. . .

قالت البنت الصغرى: أريد أن آكل سمكاً فأنا أشتهيه من شهر وكلما طلبته تؤخرونه إلى يوم بعد كل يوم. وقد رأيت بنت الجيران تأكل منه بالأمس، ولولا إنني خفت أن تضربوني لشحذت منها؛ وكانت هي تنظر إلي مختالة ونظراتها تقول لي ما تقول. وكنت أنا أنظر إليها حزينة ونظارتي تقول لها ما تقول أيضاً

فتبللت أجفان الأم وصرخ قلبها صرخة وقالت: عزيز علي يا ابنتي - فاصبري لعل الله يرحمنا

قال الولد الأصغر: وأنا أريد أن آكل أرزاً. . .

قالت الأم: آه يا ولدي!! غداً أعمل لك الأرز

قال الولد: يا طالما تقولون غداً وما يأتي الغد بشيء. . . أريد أن آكل الآن أرزاً، وإلا فسأبكي. . .

وجهش الولد إلى أمه المسكينة، ثم بكى فبكت له وضمته إلى صدرها وعيناها مدرار تميح من قلبها الدموع

وبكت البنت الأخرى فبكى الولد الآخر. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>