المتكلم حين شهد ربيعه لما كان لزاما أن يذكر هذه الكلمات ويجمع بين هذه الصفات. ولكانت له مندوحة عنها بوصف الأحمر أو الأخضر يبحث له عن أحمر أو أخضر مثله في محفوظات المشبهين، وبوصف العطر يطلق حوله الند والبخور، وكلمة من هنا وكلمة من هناك عن الخدود والعيون والوجد والهيام على نحو ما يفعل شعراء الصنعة
وشعر الصنعة ليس على نهج واحد كله، فمنه ما هو زيف فارغ لا يمت إلى الطبيعة بواشجة ولا صلة. وليس فيه إلا لفظ ملفق وتقليد براء من الحس والذوق والبراعة. ومنه ما هو قريب إلى الطبيعة ولكنه - كما قدمنا - منقول من القسط الشائع بين الناس. فليس فيه دليل على شخصية القائل ولا على طبعه ولا تتبين فيه لمحة من الملامح ولا قسمة من القسمات التي يتميز بها إنسان بين سائر الناس
وليس هذا بشعر النفس الممتازة ولا بشعر النفس (الخاصة) إن أردنا أن نضيق معنى الامتياز. وليس هو من أجل ذلك بالشعر الذي هو رسالة حياة ونموذج من نماذج الطبيعة. وإنما ذلك ضرب من المصنوعات غلا أو رخص على هذا التسويم
والفرق بينه وبين شعر (الشخصية) إن الشخصية تعطيك الطبيعة كما تحسها هي، لا كما تنقلها بالمجاورة والسماع من أفواه الآخرين. فهذه هي الطبيعة وعليها زيادة جديد مطلوبة أبداً، لأن الحياة والفن على حد سواء موكلان بطلب (الفرد) الجديد أو النموذج الحادث، أو موكلان بطلب (الخصوص) والامتياز لتعميمه وتثبيته والوصول منه إلى خصوص بعد خصوص وامتياز بعد امتياز
واقرب ما يمثل به لذلك زارع يستنبت صنوف الثمار لينقي منها (المميز) في صفة من الصفات المطلوبة. فإذا عثر بالثمرة الواحدة التي وصل فيها إلى غرضه قومها وحدها بعشرات الأفدنة من الثمرات الشائعة عند غيره، لأنه بهذه الثمرة الواحدة ليستأثر بالطلب والإقبال ويعفي على ثمرات الشيوع والعموم
وهكذا الشخصية الممتازة في عالم الشعر أو في عالم الحياة عامة: (هي عندنا وعند الحياة التي أنشأتها أقوم من جميع المتشابهات الشائعات وإن كن جميعاً مطبوعات غير مقلدات ولا زائفات
وإنما يستحق الشعر أن يسمع ويحفظ حين يكون كهذا الشعر - وقد أورد الأستاذ أروع