الحالية وضعت في جو خانق من الريب والحجر على العواطف والأماني الوطنية، فوجب أن تبحث من جديد في ظل العهد الجديد، وأن تفسح مجالا لكل ما يعاون في تنمية الروح الوطني؛ ومن جهة أخرى فقد لبثت اللغة القومية، أعني اللغة العربية، عصراً ضحية هذه السياسة القديمة، ولولا أنها استطاعت أن تقاوم ضغط الأجنبي بكل ما فيها من حيوية، وأن تشق لنفسها طريقها المستقل خارج المعاهد الحكومية في الآفاق الحرة، لما استطاعت أن تنهض كما تنهض اليوم؛ بيد أنه لا يزال علينا أن نحررها من شوائب المؤثرات والمنافسات الأجنبية التي تعرقل نهضتها، والتي هي من بقايا عهد طويت صفحته، فاللغة العربية يجب أن تتبوأ مقامها الأول في كل معاهدنا ودراساتنا كلغة أصلية لا تنافسها في هذا المقام أية لغة، ويجب أن تكون لغة التربية والتعليم في كل مراحل الدراسة، إلا ما اقتضته مصلحة الدراسة ذاتها؛ ويجب أن يختفي من معالم حياتنا العامة ذلك المزيج المؤلم من لغات أجنبية يستعمل بلا ضرورة في كثير من دوائرنا ومصالحنا الحكومية، بل وفي بعض بيئات مجتمعنا الرفيع، فقد حان الوقت الذي يجب أن تختفي فيه هذه الآثار الأخيرة التي ترمز إلى سيادة فكرية أو اتفاقية أجنبية لا وجود لها اليوم
أما عن دراسة التاريخ القومي التي هي اليوم من دعامات الروح الوطني في جميع الأمم المستقلة، فمن الأسف أنها انتهت في العصر الراحل إلى حالة يرثى لها؛ ومازال التاريخ القومي يغمط حقه من جميع النواحي، ومازلنا نتلقى عن تاريخ الأمم والحضارات والشخصيات الأجنبية أضعاف ما نتلقى عن تاريخنا وتاريخ شخصياتنا وحضارتنا، ولم يكن ذلك غريبا في عهد السيادة الأجنبية لأنها تعرف بخبرتها في طبائع الشعوب ومشاعرها أن الأمم ذات التواريخ الحافلة المجيدة، تهتز في عصور الضعف والانحلال لذكرياتها القديمة، وتستمد منها الوحي والقوة في مغالبة الخطوب وشحذ الشعور الوطني؛ وقد كانت أساليب التربية القديمة ترمي إلى محاربة ذلك الشعور وإضعافه، وكان التاريخ القومي من العناصر الثقافية التي قضي عليها بالمسخ والمحو تقريباً؛ أما اليوم فإن الاستقلال الوليد في أشد حاجة لأن نحيطه بسياج من تاريخنا القومي، وان توطد دعائمه بما يبعثه إلى نفوسنا استعراض هذا التراث الحافل من اعتزاز وطموح إلى استئناف تاريخنا المجيد، وربط مستقبلنا بماضينا، وهذا عنصر في تغذية الشعور القومي تعرفه الأمم