النوافذ ليأمن أن يسمع أحد ما ينوي أن يقول - أعني ما ينوي أن يفضي إلينا به من الأسرار. ثم يشرع في الحديث فيصف لنا كيف كان الحكم المصري على عهد الخديو إسماعيل ظالما، فنجادله وينقضي الدرس كله في هذا الجدل العجيب. ولست أدري لماذا كان يجشم نفسه إغلاق النوافذ. ولو أن الناظر الإنجليزي سمعه لكان حقيقا أن يسر لا أن يغضب، ولكني أحسبه كان يفعل ذلك ليكون تأثير كلامه في نفوسنا ابلغ. والعجب بعد ذلك أن تلاميذه كلهم صاروا وطنيين متطرفين في وطنيتهم لا خونة لبلادهم كما كان يشتهي هو أن يكونوا
فممن كنت أتعلم النحو بالله؟. وما الذي كان يمكن أن يغريني أن أتعلمه وحدي؟. ثم ما فائدة هذا النحو الذي لم أتعلمه ولم أحتج إليه. . وعسى من يسأل:(وكيف كنت تصنع في الامتحانات؟ فأقول إني كنت أقرأ ورقة الأسئلة واترك النحو إلى آخر الوقت ثم أتناوله وأروح أجمع طائفة من الأمثلة أستخلص منها القاعدة فأجعل هذا جوابي. ولاشك أنه كان لا يخلو من نقص ولكنه لم يكن خطأ كله. هذه كانت طريقتي وقد استغنيت بها عن حفظ ما في كتب النحو. وأراني الآن أصبحت كاتباً - وقد كنت في زماني شاعرا كذلك - وقد وسعني هذا وذاك بغير معونة من النحو. بل من غير أن أتعلم العروض. وأذكر أني وأنا في مدرسة المعلمين العليا كان الشيخ حمزة فتح الله هو الذي يتولى امتحاننا في اللغة العربية - على الأقل في إحدى السنين - وكان من أعضاء اللجنة التي هو رئيسها الشيخ عبد العزيز شاويش وفتح الله بركات بك وأستاذنا في المدرسة؛ وكنا ندخل على اللجنة واحداً واحداً كما هي العادة فأخبرني الذين سبقوني إلى أداء الامتحان أن الشيخ حمزة عليه رحمة الله يفتح كتاب النحو والصرف ويأمر الطالب أن يسمعه الباب الفلاني، وكانت هذه مبالغة ولكنا صدقناها، فأيقنت أني مخفق ووطنت نفسي على معركة. وجاء دوري فدخلت، فناولني مقدمة ابن خلدون وقال افتحها في أي موضع واقرأ، ففعلت، فأمرني أن أضع الكتاب وشرع يسألني عن كلمة (العدوان) ما فعلها الثلاثي ولماذا يقال (اعتدينا) - بفتح الدال للماضي - واعتديا (بكسرها للأمر. فلم أعرف لهذا جوابا، فقلت: (هكذا نطق العرب وعنهم أخذنا). فألح في طلب الجواب المرضٍي فقلت (إن اللغة نشأت قبل القواعد. وأنا أنطق وأكتب وأقرأ كما كان العرب يفعلون من غير أن يعرفوا قاعدة أو حكما) فساءه