أحاديث دونها الأخير في كتابه عن الأول، وما كان بين جراي وشلي وبيرون وكثيرين غيرهم وبين أصدقائهم في الوطن من مراسلات، حين كان أولئك الشعراء يطوفون في ربوع أوربا. وللجاحظ والبديع والصابي وابن العميد رسائل إلى أصدقائهم بارعة تعد في صميم الأدب العربي. ولم تكن رسالة الغفران إلا رسالة بين صديقين. ومن قصائد التعاتب المشهورة لامية معن ابن اوس التي مطلعها:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تعدو المنية أول
وهمزية ابن الرومي الطويلة التي مطلعها:
يا أخي أين عهد ذاك الإخاء؟ ... أين ما كان بيننا من صفاء؟
ونقد الأدب موضوع مهم من مواضيع الأدب، تلذ قراءته كما تلذ قراءة آثار الأدب الأخرى، لما يحوي من عام النظرات وخاصها في مختلف الأدباء وعصور الأدب. ومما يزيد أكثر كتب الأدب في العربية ككتاب الصناعتين وكتاب الوساطة إمتاعاً حفولها بالكثير من بدائع المختارات والمقتبسات. وفي الإنجليزية يحتفي بعض النقاد أمثال ماكولي وماثيو أرنولد وإديسون بأسلوبهم الأدبي في نقدهم لآثار غيرهم، حتى ترى آثارهم النقدية مضاهية لما ينقدونه لذة وإمتاعاً. ويمتزج بنقد الأدب في الإنجليزية نقد الفنون الجميلة عامة، والإشارة إلى القواعد التي تشملها هي والأدب؛ ففي مقاله عن بيرون مثلا يوضح ماكولي آراءه بأمثلة من الفنون الأخرى من موضع إلى آخر.
وأحوال المجتمع وأحداث السياسة ليست مما يمر بالأديب المثقف دون أن يكرثه، بل لابد أن يترك ذلك أثره الواضح في أدبه. وقد كان شعر الجاهليين سجلا موجزاً لكبريات أحداثهم، فلما خضع العرب للملكية بعد الإسلام كفكفت تلك النزعة كثيراً؛ وقل نقد الأنظمة الاجتماعية والسياسة في الأدب والتعليق على الحوادث إلى حد كبير، إلا أن يكون في ذلك مجاراة ومظاهرة لأصحاب السلطان. وقد قتل المنصور ابن المقفع الذي رفع إليه رسالة في شؤون الحكم وإن عزي مقتله إلى سبب آخر وأحيط بالغموض. إنما أثر السياسة والحوادث في الأدب بعد الإسلام باد في الرسائل الديوانية التي كان يتأنق الوزراء الكاتبون أمثال سهل بن هرون والقاضي الفاضل وابن زيدون في كتابتها إلى عمال الأمير وأنصاره وأعدائه والخارجين عليه، كما أن في كتابات الجاحظ ومقامات البديع تصويراً واضحاً