لكثير من أحوال مجتمعهم وأنبائه. ومن أشعار الأحداث السياسية قصيدة يزيد المهلبي في رثاء المتوكل وقصيدة ابن الرومي في ثورة الزنج التي منها يقول:
بينما أهلها بأحسن حال ... إذ رماهم عبيدهم باصطلام
صبحوهم فكابد الناس منهم ... طول يوم كأنه ألف عام
وهذا الفن أوسع محيطاً واحفل بالآثار في الإنجليزية، حيث مهدت الحكومة الديمقراطية السبيل للنظرات الحرة والنقدات الصادقة. وكان استقلال الأمة الإنجليزية عن غيرها واعتزالها سواها إلى حد بعيد داعياً إلى اشتداد الشعور القومي والإحساس بوحدة المجتمع والاهتمام لشؤونه كأنها شؤون كل فرد الخاصة. وقد قال الإمام علي: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. وما أسماه مبدأ إنسانياً ومذهباً ديمقراطياً وحكمة عمرانية؛ بيد أنه كان شعار المجتمع الإنجليزي أكثر منه شعاراً للمجتمع العربي، ومن ثم كانت لأكثر أدباء الإنجليزية نظراتهم الإصلاحية الخاصة، التي تتراوح بين الخطرات العارضة وبين الرغبة في الانقلاب الكلي، وظهرت القصة نتيجة هذا الاندماج الاجتماعي تصور المجتمع تصويراً دقيقاً لا يغادر منحى ولا مذهباً.
ولكن الحياة ليست كلها جداً مرا، ولا النفس الإنسانية تحتمل الجد المواصل، وإنما يميل الإنسان بطبعه إلى الترفيه عن نفسه بالتفكه والنظر إلى الجانب الهزلي من الحياة. والأدباء لدقة إحساسهم ونفاذ نظراتهم سريعون إلى ملاحظة مواطن التناقض ومواضع الفكاهة في أخلاق الناس وأعمالهم؛ ومن ثم يحفل الأدبان العربي والإنجليزي بصور عديدة من صور الفكاهة، تتراوح درجاتها بين العبث البريء في أيدي شكسبير وجولد سمث واديسون والجاحظ، وبين السخر المرير في أيدي سويفت وبوب وابن الرومي والمعري، ويتناول بها الأدباء منافسيهم ومعاصريهم ويفندون حماقات المجتمع
وهناك مواضيع احتفى بها الأدب العربي حفاوة بالغة تفوق ما نالته في الإنجليزية، وأولها الحكمة: فأدباء العربية كانوا منذ الجاهلية يعشقون الحكمة ويحبون نظمها والاستماع إلى أشعارها، بل كانوا كما قيل لا يعترفون لشاعر بالفحولة حتى يوفق إلى شيء منها. وظل الأعشى مزوياً عن مصاف الفحول حتى قال في مدحه سلامة ذا فائش:(والشيء حيثما جعلا)، فجمع صدق النظرة إلى إيجاز اللفظ وهما سمتا الحكمة عند العرب. ولما اطلع