أنشأت لها خطة دينية تضارع في المرتبة والأهمية خطة الوزارة ذاتها؛ وكان هذا المنصب الخطير من أغرب الخطط الدينية التي أنشأتها الدولة الفاطمية وانفردت بها؛ وكان متوليه ينعت بداعي الدعاة وهو أيضاً من أغرب الشخصيات الرسمية التي خلقتها الدولة الفاطمية؛ وكان داعي الدعاة يلي قاضي القضاة في الرتبة ويتزيا بزيه ويتمتع بمثل امتيازاته، وينتخب من بين أكابر فقهاء الشيعة المتضلعين في العلوم الدينية وفي أسرار الدعوة ويعاونه في مهمته اثنا عشر نقيباً وعدة كبيرة من النواب يمثلون في سائر النواحي؛ وكانت هذه الدروس والمحاضرات الخاصة التي يشرف عليها داعي الدعاة، تلقى بعد مراجعة الخليفة وموافقته في إيوان القصر الكبير؛ وتعقد للنساء مجالس خاصة بمركز الداعي بالقصر، وهو المسمى (بالمحول)، وكان من أعظم الأبنية وأوسعها فإذا انتهت القراءة أقبل الأولياء والمؤمنون على الداعي فيمسح على رؤوسهم بعلامة الخليفة ويأخذ العهد على الراغبين في دخول المذهب، ويؤدي له النجوى من استطاع، وهي رسم اختياري صغير يجبى من المؤمنين للإنفاق على الدعوة والدعاة، وكانت ثمة مجالس أخرى تعقد بالقصر أيضاً لبعض الهيئات والطبقات الممتازة من أولياء المذهب - ورجال الدولة والقصر - ونساء الحرم والخاص، ويسودها التحفظ والتكتم، ويحظر شهودها على الكافة؛ وتعرض فيها الدعوة الفاطمية على يد دعاة تفقهوا في درسها وعرضها؛ وكان تلقين هذه الدعوة، هو أخطر مهمة يقوم بها الدعاة، بل كان في الواقع أهم غاية يراد تحقيقها؛ وكان للكافة أيضاً نصيب من تلك المجالس الشهيرة، فيعقد للرجال مجلس بالقصر، ويعقد للنساء مجلس بالجامع الأزهر ويعقد مجلس للأجانب الراغبين في تلقي الدعوة؛ وكان الداعي يشرف على هذه المجالس جميعاً إما بنفسه أو بواسطة نقبائه ونوابه، وكانت الدعوة تنظم وترتب طبقاً لمستوى الطبقات والأذهان فلا يتلقى الكافة منها سوى مبادئها وأصولها العامة، ويرتفع الدعاة بالخاصة والمستنيرين إلى مراتبها وأسرارها العليا
وقد انتهت إلينا وثيقة رسمية هامة هي سجل فاطمي بإقامة داعي الدعاة، وبيان مهمته واختصاصاته وما يجب عليه اتباعه لإذاعة الدعوة، وقد جاء فيه بعد الديباجة شرحاً لمقاصد الدعوة ما يأتي: (وإن أمير المؤمنين بما منحه الله تعالى من شرف الحكمة، وأورثه من منصب الإمامة والأئمة، وفوض إليه من التوقيف على حدود الدين وتبصير من اعتصم