للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بحبله من المؤمنين، وتنوير بصائر من استمسك بعروته من المستجيبين، يعلن بإقامة الدعوة الهادية بين أوليائه، وسبوغ ظلها على أشياعه وخلصائه، وتغذية أفهامهم بلبانها، وإرهاف عقولهم ببيانها، وتهذيب أفكارهم بلطائفها، وإنقاذهم من حيرة الشكوك بمعارفها، وتوفيقهم من علومها على ما يلحب لهم سبل الرضوان، ويفضي بهم روح الجنان وريح الحنان، والخلود السرمدي في جوار الجواد المنان. . .)

ومنها في شرح واجبات الداعي وطرق تلقين الدعوة: (وخذ العهد على كل مستجيب راغب، وشد العقد على كل منقاد ظاهر، ممن يظهر لك إخلاصه ويقينه، ويصح عندك عفافه ودينه، وحضهم على الوفاء بما تعاهدهم عليه. . . ولا تكره أحداً على متابعتك والدخول في بيعتك. . . ولا تلق الوديعة إلا لحفاظ الودائع. ولا تلقي الحب إلا في مزرعة لا تكدي على الزارع، وتوخ لغرسك أجل المغارس، وتوردهم مشارع ماء الحياة المعين، وتقربهم بقربان المخلصين، وتخرجهم من ظلم الشكوك والشبهات إلى نور البراهين والآيات؛ واتل مجالس الحكم التي تخرج إليك في الحضرة على المؤمنين والمؤمنات، والمستجيبين والمستجيبات، في قصور الخلافة الزاهرة، والمسجد الجامع بالمعزية القاهرة، وصن أسرار الحكم إلا عن أهلها، ولا تبذلها إلا لمستحقها، ولا تكشف للمستضعفين ما يعجزون عن تحمله ولا تستقل أفهامه بتقبله، واجمع من التبصر بين أدلة الشرائع والعقول، ودل على اتصال الممثل بالممنون؛ فإن الظواهر أجسام، والبواطن أشباحها، والبواطن أنفس. والظواهر أرواحها. . .)

وفي هذه العبارات ما يلقي الضياء على غايات السياسة الفاطمية الدينية والمعنوية وعلى وسائلها في غزو الأذهان وحشدها من حولها؛ ومن المعروف أن الخلافة الفاطمية كانت تتخذ الإمامة الدينية شعارها، ومرجع زعامتها الدينية في العالم الإسلامي، وشرعية ملكها السياسي، فالدعوة الفاطمية التي كانت تلقى في مجالس الحكمة إلى الكافة والى الخاصة متدرجة في مراتب من السرية والتحفظ طبقاً لمكانة الأشخاص وأحوالهم الفكرية والاجتماعية، كانت رغم صفتها الدينية، ترمي في النهاية إلى أغراض سياسية؛ ذلك أن الخلافة الفاطمية كانت ترى أن تحشد جمهور أوليائها ومؤيديها عن طريق الدين، ومتى اجتمعوا في ظل الإمامة وتحت لوائها، استطاعت أن تحركهم وأن توجههم وفق مصالحها

<<  <  ج:
ص:  >  >>