في الجبال والوديان، في البر والبحر، وهو واجبُ الوجود وواهب الوجود قد استوى على عرشه في السماء إن أراد شيئاً قال له كن فيكون
فيتهمه الملكان بالإلحاد ويمضانه بالمقامع ضرباً وهو يستعطفهما فلا يعطفان عليه. وهو يسترحمهما فلا يرحمان دمعه الغزير وجسده الدامي بل يصبان فوق رأسه قطراناً فائراً شوى رأسه ووجهه ويطيلان عذابه حتى يغيب وعيه فإذا ما عاد إليه صوابه ألفى نفسه موثق اليدين بحبال مفتولة لا يستطيع حراكاً فيحمله الملكان ويطيران به في الفضاء إلى الجنة حتى يزداد عذاب ضميره من حرمانه إياها، ويبيح لهما رضوانُ دخول الجنة. وهنا تتجلى روعة الزهاوي الشعرية في الوصف الدقيق الجذاب فيحلق في سماء الفن ما شاء له التحليق، ويسمو في عالم الخيال الرفيع سمواً ليس بعده من سمو: -
كلُّ ما يرغبونَ فيه مُباح ... كلُّ ما يشتهونه ميسورُ
وعلى تلكم الأسرة حور ... في حُلى لها ونعمَ الحورُ
ليس يخشين في المجانة عاراً ... وإن اهتز تحتهن السرير
وكأن الولدان حين يطوفو ... ن على القوم لؤلؤ منثور
إئت ما شئته ولا تخش بأساً ... لا حرام فيها ولا محظور
فإذا ما اشتهيت طيراً هوى من ... غصنه مشوياً وجاء يزور
وإذا ما رمت أن يحول لك التين ... دَجَاجاً أتى إليك يطير
ليس فيها موت ولا موبقات ... ليس فيها شمس ولا زمهرير
لا شتاء ولا خريف وصيف ... أترى أن الأرض ليست تدور
ولقد رمتُ شربة من نمير ... فتيممته ففرَّ النميرُ
وكأن الماء الذي شئت أن أش ... ربه بابتعاده مأمور
ويتذكر بأنه مطرود ملعون، لا يحق له أن يتمتع بما وُعد به المؤمنون المتقون، فيرجو من الملكين أن يعودا به من حيث أتيا لأن ما يشاهده من النعيم يثير أشجانه ويهيج أحزانه فيخرجانه من الجنة ويشدان وثاقه ويقذفان به في جوف الجحيم
وكأنَ الجحيم حفرة بركا ... ن عظيم له فم مفغور
تدلعُ النارُ منه حمراءُ تلقِي ... حمماً راح كالشواظ يطيرُ