بالقول، وآية ذلك حكاية الأعرابي الذي سئل: أتحب أن تكون ابن أعجمية ولك قصر في الجنة؟ فقال: لا أحب اللؤم بشيء. قيل: فإن أمير المؤمنين ابن أمة، قال: أخزى الله من أطاعه!
إنما كان الفخر كل الفخر عند العربي في الظفر بعربي مثله، من قبيلة معادية لقبيلته، قد توارثت قبيلتهما العداوة والتراث جيلا بعد جيل. وما هي إلا أن دبت الفتنة من جديد بين العرب حتى ظهر أثرها في الشعر: فمهدد لمعاوية وحزبه، ومناصر لبني هاشم أو مناصب لهم. ومفاخر بكلب أو بتغلب أو معير لهذه أو لتلك، إلى عهد بشار الذي يتمدح - على كونه من الموالي - بل غضب المضرية التي تهتك حجاب الشمس؛ وظل الشعراء الذين يمتدحون الخلفاء والأمراء والقواد ويمدحون بلائهم في الحروب، لا ينسون أن يذكروا مفاخر قبائلهم من قبل وبلائهم في الوغى، فإذا ما مدح الشاعر الحجاج ذكر ثقيفاً أو عبد الملك ذكر أمية، وظل الشعر العربي دائماً يردد ذكر بني مظر وبني شيبان وبني تنوخ وبلاء كل أولئك في الحروب، وكان التساجل بين الشعوبيين وأنصار العربية فلم يكد يترك أثراً في الشعر العربي، وحتى المتنبي يحفل شعره بذكر قبائل من مدحهم على التوالي، رغبة تعصبه للعربية، وطول تألمه من أن يرى عرباً ملوكها عجم
بجانب تلك العاطفة القبلية تمت تدريجا عاطفة أخرى هي الرابطة الإسلامية، إذ تمكن الإسلام من نفوس معتنقيه ومجتمعهم تمكنا احله محل القومية، وترددت تلك العاطفة في أشعار الشعراء الممجدين لبلاء الخلائف والأمراء في دفاع أعداء الملة، وكان للإسلام في أول ظهوره عدوان كبيران: الوثنية وزعيمتها فارس، وقد فرغ من شانها عاجلا، والنصرانية وممثلتها الدولة الرومانية، وقد ظل جهادها دائما من أول مهمات الخلفاء وولاة الثغور، وظلت حربها مكن أهم ما يشغل بال المسلمين ويغذي عاطفتهم المشتركة وشعورهم القومي؛ ويتجلى اثر تلك الحروب بين الدولتين، أو بين الديانتين، في أشعار أبي تمام والبحتري والمتنبي؛ ولما أعيت الدولة الرومانية الحيل استنجدت بغيرها من أمم النصرانية، فكانت الحروب الصليبية، التي ظهر أثرها في شعر شعراء مصر والشام، ومن ذلك قول البهاء في السلطان الأيوبي:
فابلغ رسول الله أن سميه ... حمى بيضة الإسلام من نوب الكفر