وأقسم إن ذاقت بنو الأصفر الكرى ... فلا حلمت إلا بإعلامه الصفر
وبلغ المسلمون المبالغ في الحرب البرية والبحرية وعنهم اخذ الصليبيون، ومن لغتهم نقل الغربيون كلمة الأميرال أو أمير البحر وغيرها من مصطلحات القتال، وحفل شعرهم بوصف المعارك والجيوش وما توقعه بأرض العدو من دمار، كوصف أبي تمام لتخريب عمورية؛ ووصف الاساطيل؛ والمتنبي هو اصدق وصافي الحرب في المتأخرين وأروعهم لأنه كان يصف ما يميل إليه بطبعه وما يمارسه ويشاهده بنفسه، ولا تكاد ترتوي منه لهفته، ومن ثم لا تقل أشعاره الحربية عن أشعار الجاهليين والإسلاميين صدقا وفطانة وتفوق بعضها جزالة وتجويدا، ومن جيدها وصفه لخيل سيف الدولة الذي منه:
رمى الدرب بالجرد الجياد إلى العدا ... وما علموا أن السهام خيول
شوائل تشوال العقارب بالقنا ... لها مرح من تحته وصهيل
كتائب يمطرن الحديد عليهم ... فكل مكان بالسيوف يسيل
ومن جيد وصف الأساطير قول ابن هانئ الأندلسي:
أنافت بها آطامها وسمالها ... بناء على غير العراء مشيد
وليس بأعلى كبكب وهو شاهق ... وليس من الصفاح وهو صلود
إذا فرت غيظا قد ترامت بماوج ... كما شب من نار الجحيم وقود
ولم يقتصر ذكر الحرب على مواضعها الخاصة بها، ومناسباتها بين الحين والحين، بل كان أمرها من الشمول والاتصال والحضور في أذهان الناس بحيث تسرب ذكرها في شتى أبواب الأدب، واستعيرت صفائها وأحوالها لمختلف الأغراض: ففي النسيب استعيرت السيوف والسهام للجفون واللواحظ، والقتل لشدة التتيم، وبالسيف شبه الممدوح صقلا ومضاء وبه جرت الأمثال فقيل: سبق السيف العذل، وشبه المتنبي المنون بعدو لا تجدي المشرفية والعوالي في قتاله، ولا تجني السوابق المقربات من خببه، وقرن التمدح بالبلاء في الحرب بالتشبيب، كما يفعل عنترة، وكما قال أبو عطاء السندي وهو البيت الذي تمثل به صلاح الدين الأيوبي في بعض رسائله:
ذكرتك والخطى يخطر بيننا ... وقد نهلت منا المثقفة السمر
وفي الأدب الإنجليزي أوصاف رائعة للحروب، وتمجيد شائق لأبطالها، وتفاخر