وأخيرا جاءت فلسفة هنري برجسون جاحدة بالفلاسفة والعلم الذي آمن به (تين وبرتلو) من قبل
هنري برجسون
نقد العقل
ولد سنة ١٨٥٩ واشهر تصانيفه (معلومات الشعور المباشرة، مادة وذاكرة، والقوة المبدعة) ويذهب برجسون في (كتابه الأول إلى القول بأن الشعور المنطلق عن العقل، الشعور الفطري فيه لا يتلاءم أبداً مع ما استخرجه العلماء من العقل المتحول المتبدل - كما أراده وسهلوه -. فالعلماء هم في حاجة إلى قياس الفضاء وهو سهل عندهم، وإلى قياس الزمان وهذا أقل سهولة. لأن قياس الزمان معناه الافتراض بأن الزمان تتألف أجزائه من طبيعة واحدة وأن اللحظات المتتالية على حادث قد تكون من بعض وجوه متشابهة متطابقة، تطابق طول متر مع طول متر آخر. ولكن هذا ما هو إلا افتراض، إذ حين نتأمل نرى أن زمان هؤلاء العلماء هو زمان مجرد أو هو التجريد. أما الذي يوجد فهو الدوام، والشيء الذي يدوم يختلف - في لحظة ملحوظة - عما كان عليه قبل اللحظة السابقة، ولهذا ينطوي هذا الشيء على شئ هو (دوامه). فالدوام هو متألف من أجزاء مختلفة طبيعتها. تختلف عن ذاتها بدون نهاية ولكي ننكر صفة (الدوام) التي قال بها زينون ولم ينكرها عليه أحد، نرى أن الشيء يمكن أن يكون ساكناً ومتحركا في وقت واحد، وأن (أشيل) العادي وراء سلحفاة لا يستطيع - عقلياً - إدراكها. وهكذا نرى العلم المبني على الاصطلاح لا يمكن أن يكون إلا اصطلاحياً
وقد أتم برجسون في كتابه (مادة وذاكرة) برهانه هذا، فالإنسان - بوهم عميق الجذور فيه - آمن بأن عقله يبسط له الحقيقة، إن عين الحيوانات ليست موضوعة لتعرف أصحابها بحقائق الأشياء، وإنما وظيفتها وظيفة عملية تهدي أصحابها إلى الانتظام بين الأشياء. فلو عاشت هذه الحيوانات على غير الأرض لاختفت لأنها تصبح عديمة النفع. وكذلك لكي نستطيع أن نحيا بين الحوادث، قادرين على استخدامها على وجهها الأحسن المستطاع، نجد هذا لا يطلب إلينا أن نعرفها بحقيقتها كما هي. وإنما يطلب إلينا أن نختار - بصورة عملية