اندماج بعضها في بعض أو تشابه بعضها مع بعض. فأنت إذا أنعمت النظر ودققت الفكر في هذه المسألة تبين لك أن التصوف غير الفقر، وان الزهد غير الفقر، وان التصوف غير الزهد. وليس التصوف غير اسم جامع لمعاني الفقر والزهد بإضافة صفات ونعوت لابد منها لكي يكون الرجل صوفياً. فقد يكون الرجل زاهداً وقد يكون فقيراً ولكنه ليس صوفياً. ولكنه لكي يكون صوفياً لابد له بين أن يكون زاهداً وفقيراً.
وليس التصوف زهداً أو فقراً بإضافة صفات ونعوت فحسب، وانما هو شيء آخر أبلغ وأروع من هذا كله واقدر على تهذيب النفس، وتنقية القلب، وتصفية الضمير، هو كما قال أبو محمد الحريري:(الدخول في كل خلق سني، والخروج عن كل خلق دني).
وأهل الشام لا يميزون بين التصوف والفقر. فهم يذهبون إلى أن الله وصف الفقراء بالصوفية. وإلى أن الصوفية سموا كذلك لأنهم فقراء. ولكن مؤلفنا قد تناول هذه المسألة بالدرس والتحقيق فأوضح غامضها وكشف عن وجه الحقيقة فيها بحيث أظهر لنا في وضوح وجلاء الفروق بين التصوف والفقر. وأول هذه الفروق هو أن الفقير في فقره متمسك به، راض عنه، مطمئن إليه. وهو في هذا كله قانع بما سيجد عند الله من العوض. وهو كلما أمعن في التطلع إلى هذا العوض ازداد إعراضاً عما في الدنيا من أعراض زائلة وزخارف باطلة. وأما الصوفي فلا يرغب عن زخرف الدنيا وعرضها ابتغاء هذه الأعواض الموعودة ولكنه يفعل هذا من أجل الأحوال الموجودة. وثاني هذه الفروق هو أن الفقير حين يتمسك بفقره ويمعن في ترك الدنيا وإعراضها إنما يفعل هذا بإرادته واختياره على حين أنك ترى الصوفي قد تجرد من هذا الاختيار وهو الإرادة. فهو في جميع أحواله قد محيت فيه ملكة الاختيار وفنيت إرادته في إرادة الله فناءً تاماً بحيث لا يصدر في شئ الا عن إرادة الله. ولا يرى فضيلة ما في فقر أو غنى، ولكن الفضيلة عنده كائنة فيما أقامه الله فيه من حال. وليس أدل على أن الصوفي قد فنيت إرادته في إرادة الله، من قول الجنيد الذي عرف فيه التصوف بأنه. (هو أن يميتك الحق عنك ويحييك به) فمن هذا ترى الفرق واضحاً بين التصوف والفقر. كما ترى أن التصوف قوامه ودعامته الفقر بمعنى أن الوصول إلى مراتب التصوف إنما يتوسل إليه بالفقر. على أن الفرق بين التصوف والفقر لا يقف عند هذا الحد، وانما هناك فرق ثالث يمكن تلخيصه في أن الصوفي هو من إذا