والحاكم مثلا قس معاصر يدعى الأب ميخائيل (كاتب السنوديقا بكرسي مار مرقص)(البطريركية) كما يقول لنا ذلك خلال الكتاب؛ وكتب سيرة الأنبا فيلاتاوس البطريرك الثالث والستين وهو معاصر العزيز ثم الأنبا زخاريا البطريرك الرابع والستين وهو معاصر الحاكم بأمر الله، وأورد الكتاب خلال حديثه كثيرا من الأقوال والروايات الهامة عن الحاكم وحياته العامة والخاصة، وعن حوادث العصر المدهشة. وكتب سير البيعة المقدسة أيام الظاهر والمستنصر قس يدعى (موهوب بن منصور بن مفرج الإسكندراني الشماس) ويقول لنا (إنه جمع سيرهم وكتبها واستخرجها من دير أبو مقار بوادي هبيب وذلك سنة ٨٠٦ للشهداء الموافقة لسنة ٤٨٠هـ). وكتب في أيام المستنصر وبعده قس آخر يدعى يوحنا ابن صاعد بن يحيى المعروف بالقلزمي وهكذا حتى أواخر الدولة الفاطمية؛ وهنا يقول لنا كاتب هذا القسم إنه سيتم سير الآباء، وإنه بدأ بما شاهده في عصره وخصوصا أيام زوال الدولة الفاطمية وقيام الدولة الأيوبية، وهنا يميل الكاتب إلى التبسط في سرد أحداث العصر، ولا يتقيد بالناحية الكنسية بل يفيض في سرد الحوادث جملة؛ ويتحدث عن السلطنة وعن سيرها وأعمالها، ويسير في ذلك على ترتيب السنين القبطية أو سني الشهداء، حتى سنة ٦٣٥هـ، أو نحو سنة ٩٥٠ للشهداء، حتى نهاية عصر الملك الكامل ناصر الدين
ولقد نوهنا في بداية هذا الفصل بأهمية أمثال هذه الآثار الكنسية في شرح موقف الكنيسة من الخلافة أو السلطنة، وشرح وجهات نظرها فيما يتصل بها من الحوادث والشؤون، وتبدو أهمية الرواية الكنسية بنوع خاص في العصور التي تضطرم فيها فورات اضطهاد ضد الكنيسة والمجتمع النصراني أو تتجه السياسة الإسلامية إلى الضغط عليهما لظروف وعوامل خاصة، كما حدث في مصر في عصر المأمون، وفي عصر الحاكم بأمر الله وأيام الحروب الصليبية؛ فهنا تبدو الرواية الكنسية متنفساً حقيقياً للتعبير عما يخالج الكنيسة ورعاياها من العواطف والآراء نحو المجتمع الإسلامي؛ وقد تحمل الرواية الكنسية في هذه المواقف على المبالغة والإغراق في أحيان كثيرة، ولكنها تحتفظ مع ذلك بقيمتها وأهميتها في إيضاح كثير من النقط والمواقف التي تغضي عنها الرواية الإسلامية أو ترى فيها آراء أخرى.