لشوقي لم يتوفر له. فقد ملك شوقي المال والثقافة معاً. فكان واسع الاطلاع، ناعم البال، يعلم حق العلم أن عيشه مضمون في حاضره وفي غده. على حين أن حافظاً فقد أمله في الحاضر والمستقبل. فكافح الشقاء، غير أن الشقاء أقوى منه. ونظر إلى آتيه وإذا الآتي يبدو مبهماً إن لم يبد فاحماً أسود
في هذه البيئة المضطربة عاش حافظ بين الإفلاس والشقاء والأمل الطعين. فلا يسعفه من اعتمد عليهم ولا ينجده دهره. ولم يبق لديه سوى بيانه. على أن البيان لم يوفر له العيش الرغيد مع كل ما فطر عليه من حسن المخالقة وجلو الحديث ونبل النفس؛ فلم يكن حافظ ممن يتسفلون إلى استجداء اللقمة، بل كان يجتهد ما استطاع في صون كرامته وهو الرجل العسكري الشديد الحرص على شرفه وواجبه
ولمعت قصائد حافظ الأولى. وقام الناس يقارنون بينه وبين شوقي. فأدرك حافظ أنه بلغ القمة التي يصبو إليها، وأن الحجر العثرة في الطريق هو شوقي دون سواه، فإن هو ذلل هذه العقبة هان عليه كل عسير ونال المشتهى. فليس أمامه غير هذا الخصم وعليه ألا ينام عنه، ومما كان يؤلمه أن يلمع شوقي لدى الخديو عباس وأن يؤثره عزيز مصر على الأدباء أجمعين، فلماذا يكون شوقي في تلك المرتبة السامية ولا يترقى هو (حافظ) إلى المكانة نفسها!. . ولقد كان يطمع في مكانة أسمى، فشاء أن يكون شاعر الخليفة العثماني وأن يتفوق على شوقي في أدبه ومنزلته إلا أن الأقدار لم تضمن له ما يرجو.
فنقم على دهره وأبى أن يناصر مذهب شوقي السياسي فدرج على خطى محمد عبده خصم الخديو، ونفخ في بوق الوطنية فكانت قصائده تلهب الحماسة في النفوس فيصفق لها العرب بأجمعهم لكون القوة تتجلى فيها، وغار منه شوقي فنسج على منواله في رثاء مصطفى كامل وفي سقوط أدرنه وفي سقوط عبد الحميد. فكل مأثرة وطنية كانت تجد لها صدى في قريحة الشاعرين، إلا أن صداها في منظوم حافظ أكثر صدقاً منه في منظوم شوقي. فلم يكن منى شوقي إلا أن يتغلب على هذا المزاحم الوثاب. وكيف يزاحمه بسوى إطلاق بلاغته وبيانه؟
والزحام كان جليل الفائدة، فالشاعران جالا فيه على ما يتسع لهما المدى، فبذلا كل ما يملكان من موهبة. وكان حافظ يتفوق حيناً وحيناً شوقي. وأحياناً كانا يتساويان، إلا أن ثقافة