فأنا الآن بقصر موصد ... لا أرى إلا حبيباً ممسكا
كم تثنينا بأغصان اللوا ... حيث لا نخشى علينا دركا
وتلاعبنا برملات الحمى ... حيثما شاء طليق سلكا
تقول الرواية، فأجابها ابن مياح بهذه الأبيات
بنت عمي والتي غذيتها ... بالهوى حتى علا واحتبكا
بحت بالشكوى وعندي ضعفها ... لو غدا ينفع فيها المشتكى
مالك الأمر إليه يشتكى ... هالك وهو الذي قد هلكا
شأن داود غدا في عصرنا ... مبدياً بالتيه ما قد ملكا
ثم تقول الرواية: ووقف الخليفة الآمر على سر هذه المراسلة وقرأ أبيات ابن مياح، فقال لو أنه لم يسئ إليه في البيت الرابع لرد الجارية إلى حبه وزوجها منه
وأثارت هذه القصة نفس شاعر معاصر من بني طيء يدعى طراد بن مهلهل، فنظم أبياتاً ينحى فيها على الآمر باللائمة ويخاطبه بما يأتي:
ألا بلغوا الآمر المصطفى ... مقال طراد ونعم المقال
قطعت الأليفين عن ألفة ... بها سحر الحي بين الرجال
كذا كان آباؤك الأقدمون؟ ... سألت فقل لي جواب السؤال
فغضب الآمر حينما وقف على هذا الشعر، وقال جواب السائل قطع لسانه على فضوله، وبعث في طلب طراد في أحياء العرب، ففر منه واختفى
ولبث الآمر بعد ذلك أعواماً؛ يطلق العنان لأهوائه، وينعم إلى جانب حبيبته العالية، ويتردد معها إلى متنزه الهودج. وكان الآمر يثير سخط فريق من الزعماء ورجال الدولة بما جنح إليه من تمكين النصارى من مناصب الثقة والنفوذ، وما كان يمعن فيه من اللهو والبذخ والاستهتار بالرسوم والتقاليد، ففي ذات يوم من أيام ذي القعدة سنة ٥٢٤هـ (١١٣٠م) ركب من القصر كعادته إلى الهودج للتنزه، فلما وصل إلى رأس الجسر الموصل إلى الهودج وثب عليه قوم قد كمنوا له. وأثخنوه طعناً بخناجرهم، فحمل جريحاً إلى قصر اللؤلؤة على مقربة من مكان الجريمة، ولكنه لم يلبث أن توفي، ولم يجاوز الخامسة والثلاثين