ذانك هما الطوران الأولان من أطوار الأدب العربي من جهة الذاتية والموضوعية: الطور الأول هو عهد نشأة الأدب الذي كانت الذاتية فيه غالبة، والثاني طور نضج الأدب الذي فيه اجتمع الضربان؛ أما الطور الثالث هو عهد اضمحلال الأدب تدريجاً، وهو طور تغلب الضرب الموضوعي وتلاشى الضرب الذاتي تدريجاً: جمد الأدب على موضوعات خاصة اصطفاها الأدباء، في مقدمتها المدح والهجاء - وعدوها وحدها مجال الأدب وشغل الأديب، وطرقوها على أساليب خاصة يتنازعهم في ممارستها عاملان الحرص على تقليد الأقدمين، والرغبة في إظهار البراعة بالتلاعب بالألفاظ والمعاني، أما المشاعر الذاتية الصادقة، والخصائص النفسية المميزة، فاختفت من الأدب، وحتى في شرح عواطفه كان أديب ذلك الطور مقلداً، لا يشرح عواطفه إلا على نحو خاص قد جرى به العرف، وحض عليه النقاد، وبذلك جاءت الآثار الذاتية نفسها موضوعية عامة مبهمة
ومن أحسن أمثلة الضرب الذاتي الصريح في الطور الأول قول عنترة:
فإذا ظلمت فإن ظلمي باسل ... مر مذاقته كطعم العلقم
وإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي، وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرمي
ومن أمثلة أشعار الطور الثاني التي يمتزج فيها الذاتي والموضوعي قصيدة المتنبي التي يعاتب بها سيف الدولة) ومنها قوله:
مالي أكتم حباً قد برى جسدي ... وتدعي حب سيف الدولة الأمم
فوت العدو الذي يممته ظفر ... في طيه أسف في طيه نعم
صحبت في الفلوات الوحش منفرداً ... حتى تعجب مني القور والأكم
ومن أمثلة أدب الطور الثالث الذي طغت فيه الموضوعات المأثورة وطمست الشخصية الذاتية قول القائل:
وقفت بأطلال الأحبة سائلاً ... ودمعي يسقي ثم عهداً ومعهداً
ومن عجب أني أروي ديارهم ... وحظي منها حين أسألها الصدى
وكان للشعر المكانة الأولى في الأدب الإنجليزي في العصر الاليزابثي، وكان يتناول الضربين الذاتي والموضوعي من النظم، تختص بالأخير الروايات التمثيلية التي ازدهرت