قاسم هذا - كما يقول الجاحظ - شديد الأكل شديد الخبط قذر المؤاكلة، وكان أسخى الناس على طعام غيره وابخل الناس على طعام نفسه؛ وكان في مؤاكلته يعمل عمل رجل لم يسمع بالحشمة ولا بالتجمل قط. وكان يجلس على طعام ثمامة بن أشرس فكان لا يرضى بسوء أدبه حتى يجر معه ابنه إبراهيم، وكان بينه وبين ابنه في القذر بقدر ما بينه وبين جميع العالمين، فكانا إذا تقابلا على خوان ثمامة لم يكن لأحد على أيمانهما وشمائلهما حظ في الطيبات، وكان قاسم إلى جانب ذلك سخيفاً مغفلاً غبياً، وقد حفل الجاحظ بأخباره ونوادره فأورد بعضاً من حوادثه في الهجوم على خوان ثمامة وفتكه به في كتاب البخلاء، كما أورد طرفاً من سخافاته وحماقاته في البيان والتبيين وما أطيبه وهو يضحك من جهله إذ يقول في باب اللحن: وقال بشر المريسي: قضى الله لكم الحوائج على أحسن الوجوه وأهنؤها! فقال قاسم التمار: هذا على حد قوله:
إن سليمي والله يكلؤها ... ضنت بشيء ما كان يرزؤها
قال الجاحظ: فصار احتجاج قاسم أطيب وأضحك من لحن بشر!!، ولولا التحرج لأوردنا شيئاً من نوادر الرجل ومضاحيكه التي أحصاها الجاحظ عنه، فإن فيها ما يعف القلم عن ذكره، ولا يصح أن ينشر مطويه في مجلة سائرة! على أنها طيبة تفيض بالضحك وتحمل عليه!!
والجاحظ ولوع ببعض الأشخاص يتعقب أخبارهم في الضحك والعبث، ويذكرهم بأوصافهم في كل مناسبة داعية، فكما أنه يتندر على الكندي وابن أبي المؤمل وسهل في البخلاء، والسدري وقاسم التمار في الأكلة، فهو يذكر كثيراً كيسان مستملي بي عبيدة في أهل البلادة، ولقمان الممرور في أصحاب الغباوة، وريسموس اليوناني في الموسوسين، وأبو حية النميري في المجانين، وريطة بنت كعب في الخرق، ومالك بن زيد مناة في النوكى، وابن فنان في المدخولين. وإنه ليطربك ويضحكك وهو يضحك من مستملي أبي عبيدة في غفلته وبلادته. قال الجاحظ: فكان يكتب غير ما يسمع، ويقول غير ما يكتب، ويستملي غير ما يقرأ، ويملي غير ما يستملى. أمليت عليه يوماً:
قلت لمعشر عدلوا ... بمعتمر أبا عمرو!
فكتب أبا بشر، وقرأ أبا حفص، واستملى أبا زيد، وأملى أبا نصر! قلت وإذا كان في هذا