للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الوصف ما يحمل على الضحك، فليس ببالغ من ذلك ما يبلغه وصف الجاحظ أيضاً لغباوة أبي لقمان الممرور إذ يقول: وسأل بعض أصحابنا أبا لقمان الممرور عن الجزء الذي لا يتجزأ ما هو؟ فقال: الجزء الذي لا يتجزأ علي ابن أبي طالب عليه السلام، فقال له أبو العيناء: أفليس في الأرض جزء لا يتجزأ غيره؟ قال: بلى! حمزة جزء لا يتجزأ! قال فما تقول في أبي بكر وعمر؟ قال أبو بكر يتجزأ! قال: فما تقول في عثمان؟ قال: يتجزأ مرتين، والزبير يتجزأ مرتين، (قال: فأي شيء تقول في معاوية؟ قال: لا يتجزأ!! قال الجاحظ: فقد فكرنا في تأويل أبي لقمان حين جعل الأنام أجزاء لا تتجزأ إلى أي شيء ذهب؟ فلم نقع عليه إلا أن يكون أبو لقمان كان إذا سمع المتكلمين يذكرون الجزء الذي لا يتجزأ هاله ذلك وكبر في صدره وتوهم أنه الباب الأكبر من علم الفلسفة!! وان الشيء إذا عظم خطره سموه بالجزء الذي لا يتجزأ!!)

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر كما يقولون، فما أشبه أبا لقمان في غفلته وجهله بعبيد الكلابي وقد سأله الجاحظ: أيسرك أن تكون هجيناً ولك ألف دينار؟ فقال: لا أحب اللؤم بشيء! قال الجاحظ: فقلت له: إن أمير المؤمنين ابن أمة! فقال، أخزى الله من أطاعه، فقلت: نبي الله إسماعيل ابن أمة! فقال: لا يقول هذا إلا قدري! فقلت: وما القدري؟ فقال: لا أدري إلا أنه رجل سوء!!

وللجاحظ كثير من المضاحيك السائرة والنوادر الذائعة التي نقلها عنه الرواة؛ فمن ذلك ما رواه أبو بكر بن إسحاق قال: قال لي إبراهيم بن محمود ونحن ببغداد: ألا تدخل على الجاحظ؟ فقلت ما لي وله! فقال: إنك إذا انصرفت إلى خراسان سألوك عنه فلو دخلت إليه وسمعت كلامه؟ فدخلت عليه فقدم لنا طبقاً من الرطب فتناولت منه ثلاث رطبات وأمسكت، ومر فيه إبراهيم فأشرت إليه أن يمسك! فرمقني الجاحظ فقال لي: دعه يا فتى فقد كان عندي بعض إخواني فقدمت إليه الرطب فامتنع فحلفت عليه فأبى إلا أن يبر قسمي بثلثمائة رطبة!!

وقال أبو العيناء: كان الجاحظ يأكل مع محمد بن عبد الملك الزيات فجاؤا بفالوذجة فتولع محمد بالجاحظ وأمر أن يجعل من جهته مارق من الجام، فأسرع في الأكل فننظف ما بين يديه!! فقال ابن الزيات: تقشعت سماؤك قبل سماء الناس يا أبا عثمان؟ فقال الجاحظ: لأن

<<  <  ج:
ص:  >  >>