ومرت به (نسيبة بنت كعب)، تحمل سقاء فيه ماء، فاستوقفها يسألها عن خبرها فما أجابت نداءه؛ لقد كانت في طريقها إلى أحد، لتقوم بما تقدر عليه في صفوف المجاهدين. .!
وعاد قزمان يتحدث إلى نفسه:(ويلي! ما أنا هنا والحرب هناك؟ وما يكون من أمري غدا على الحالين: في النصر والهزيمة؟ أفراراً من الموت؟ أنكوصا عن الواجب؟ أكفراً بالوطن والأهل والعشيرة؟ ألا إنه يومك يا قزمان، فليجاهدوا هم في سبيلهم، وليكن جهادي معهم لأجل الوطن. . .!)
وترامت السهام، وبرقت الأسنة، والتفت السيوف، وابتدأت المعركة بين الجيشين وقزمان غير بعيد؛ لقد أدرك الجيش ولما يبدأ النضال، فما فاته أن يشهد المعركة من البداية
من ذلك الفتى الشعشاع، يختال في العزم والقوة، والشباب والفتوة، حاسراً عن ذراعه والسيف في يده، يحتز الرءوس، ويقطع الأوداج، ويلقي الرعب في قلوب الأعداء؟
إنه قزمان نفسه؛ لقد قاتل في ذلك اليوم قتالا شديداً، وأبلى بلاء حسناً، فما وضع السيف حتى أثخنته الجراحة.
والتف المسلمون حول قزمان يخففون عنه ما ناله من أذى القتال، وما منهم إلا معجب بصبره وقوة بلائه، فهم يقولون:(والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فأبشر!) قال: (بماذا أبشر!) فوالله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت. . .)
ونظر المسلمون بعضهم إلى بعض ثم انفضوا. . .
(إنه لمن أهل النار!) هكذا كان يقول عنه محمد. صدق رسول الله!
ونظر قزمان إلى نفسه، فإذا هو يتلاشى نفسا في نفس، وذكر صنيعه في ذلك اليوم، فعادت إليه الفكرتان الأوليان تصطرعان في نفسه، لا تسلمانه إلى رأي فيهدأ. أي الخطتين كانت أهدى سبيلا: أن يدع هذا الدين تمزقه أعداؤه وتمزق معه أهله وعشيرته شر ممزق، أو يقاتل في صفوف قومه دفاعاً عن أحسابهم؟
أما إنه لا سبيل إلى ما فات. لقد أدى واجبه لوطنه، ولكن. . . ولكنه غير مستريح إلى ما كان منه. . .
ونزت به نازية، فلم يجد لنفسه خلاصا من عذاب الفكر إلا بالموت، فاتكا على سيفه فأزهق نفسه. . .!