أيضاً فضل لا ينكر في تقدم العلوم الطبية؛ وهو الذي هز بناء التعاليم الجالينية من أساسها، وزعزع نظرية صفة الأدوية الكثيرة في التذاكر الطبية، وهو أول من أشار إشارة علمية إلى الدورة الدموية في كتابه (الكليات) فسبق بذلك وليام هارفي. ومن أعظم الشخصيات الأندلسية في القرن الثاني عشر الفيلسوف الطبيب الإسرائيلي موسى بن ميمون الذي صار فيما بعد طبيباً خاصاً لسلطان صلاح الدين، وله مؤلفات عديدة في الفلسفة والطب ترجمت من العربية إلى اللاتينية ومنها كتباه في (السموم والتحرز من الأدوية القتالة) وكتاب (البواسير)(وترى هنا صفحة من هذا الكتاب الأخير عن نسخة خطية نقلت عن الأصل الذي كتبه ابن ميمون بيده) وكتابا (الوصايا) في التغذية وقانون الصحة و (بيان الأعراض) و (مقالة في الربو) الخ.
ويمتاز ذلك العصر بازدهار فن الصيدلية أيضاً وظهور التواليف العديدة فيه. واسم (أبن البيطار) أشهر من أن يذكر، وقد ولد أبو محمد عبد الله بن احمد بن البيطار في (مالقة) وصار أوحد زمانه في علم النبات وأتقن دراية كتاب (ديسقوريدس) الإغريقي اتقانا بالغاً وكان حجة لا يباري في علوم الأدوية المفردة والحشائش، وأهم كتبه (الجامع في الأدوية المفردة) وهو فريد في بابه إذ يشتمل على وصف دقيق لأكثر من ألف وأربعمائة عقار كان جزء كبير منها جديداً في ذلك الوقت، وصار هذا الكتاب في الواقع المرجع الأساسي في أوروبا للمادة الطبية وعلوم الأغذية.
أما كتب الأدوية المركبة فكانت تسمى الأقرياذين (مأخوذة عن اليونانية) وهو اسم حرف فيما بعد في المحفوظات اللاتينية المترجمة عن العربية إلى كلمة والعرب هم أول من وضع دساتير الأدوية المعروفة الآن باسم (فارماكوبيا) وعنهم أخذتها أوروبا كما أخذت عنهم عادة وضع الأواني الزجاجية الكبيرة المحتوية على السوائل الملونة عند مدخل الصيدليات وكان نظام الصيدلة عند العرب يقضي بالتمييز بين مخازن العقاقير (ويقابله الآن لبيع العقاقير البسيطة بحسب تعريفة محددة وبين الصيدليات (الأجزاخات) لصرف العقاقير المركبة والتذاكر الطبية وكانت كلها موضوعة تحت الرقابة الشديدة بمقتضى القانون. وقد أدخل فردريك الثاني هذا النظام إلى أوروبا وأصدر سنة ١٢٣٣ قانوناً بقي نافذ المفعول زماناً طويلا في صقلية، كان يكلف الطبيب بمقتضاه أن يبلغ عن أي صيدلاني