للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولكي يحمي العرب أنفسهم من غارات الإغريق أقاموا الحصون على تخوم دولتهم وهي الثغور؛ وهذا ضرب من الفنون الحربية التي تدل على نشاط العرب وولعهم بالحروب ونبوغهم الذي كان غريزيا فيهم. وكان حد سورية المقابل لآسيا الصغرى مصدرا للخطر بالنسبة إلى العرب؛ وقد تحاربت القوتان المتنافستان مدة طويلة، فكانت كفة النصر ترجح مرة في جانب العرب وأخرى في جانب الإغريق. لذلك كانت هذه الثغور وهي طرسوس، وأذنة، والمصيصة، ومرعش، ومَلطِية، تقع طورا في أيدي العرب، وطورا في أيدي الروم.

ولما استولى المنصور على المدن الرومية الواقعة على حدود سورية المقابلة لأسيا الصغرى مثل طرسوس وأذنة ومرعش وملطية حصنها وأحكم بناءها من جديد وأطلق عليها اسم الثغور

ولما ولي هرون الرشيد الخلافة أنشأ ولاية جديدة سميت ولاية الثغور، جعل لها نظاما عسكريا خاصا وأقام فيها المعاقل، كما أمدها بحاميات دائمة؛ ومنح الجند علاوة على أرزاقهم أرضا قاموا بتعميرها، وزراعتها هم وأسراتهم، فازدهرت هذه الثغور على الرغم من الحروب المتواصلة، وأصبحت أحوالها في يسر ورخاء إلى أيام الواثق، ثم أخذت بعد ذلك في الأفول، وطالما كان العلماء والشعراء الذين يؤثرون الهدوء يلجئون إلى هذه الثغور والتفرغ للبحث والدرس.

وهناك ناحية أخرى تدل على قوة المسلمين في ذلك الوقت هي الأساطيل الحربية. ولم يكن العرب يعنون بالحروب البحرية في صدر الإسلام لبداوتهم وعدم ممارستهم ركوب البحر. وكان أول من ركبه أبو العلا الحضرمي والي البحرين في عهد عمر، فقد توجه لغزو بلاد الفرس في اثني عشر ألفا من المسلمين دون إذن الخليفة، وعادوا إلى البصرة محملين بالغنائم بعد أن فقدوا سفنهم التي عبروا بها إلى بلاد فارس. ولما علم بذلك عمر - وكان يكون ركوب البحر - غضب علي أبي العلاء وعزله. ولما فتحت الشام ألح معاوية على عمر في ركوب البحر كي يغزو بلاد الروم لقربها منه، فيكتب إليه يردعه عن ركوب البحر

ولما ولي عثمان الخلافة ألح عليه معاوية في غزو بلاد الروم، فأذن له على ألا يحمل

<<  <  ج:
ص:  >  >>