للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تحدثنا عن الأدب أو فكرنا في الأدباء، أو أردنا الموازنة والاستشهاد أو التدليل على صحة نظرية. وبأسماء فحول الشعراء تسمى عصور الأدب المتتابعة في تاريخ الأدب الإنجليزي، كل ذلك لما يمتاز به الشعر من تضمين المعنى الشامل اللفظ الموجز، والنظرة النافذة القول الرصين، وما يتوفر عليه من شرح العواطف والذكريات، والآمال والأشجان والإطراب، ومازال الإنسان أكثر انجذاباً إلى العاطفة منه إلى الفكر، وهو من ثم يؤشر الشعر على النثر.

نشأ الشعر العربي وارتقى في البادية، سابقاً للنثر، إذ بلغ ما بلغه من الرقي على أيدي أصحاب المعلقات وأضرابهم، والنثر لا يتعدى بعد الخطب القصار والحكم المنثورة والأسجاع المأثورة والوصايا المتفرقة. نعم كان للقبائل خطباء كما كان لها شعراء. ولكن العرب كانوا بالشعر أولع حتى عدوه معرض مفاخرهم، وقالوا: (الشعر ديوان العرب)، ولم يقولوا: (الأدب) ولا (الخطابة). ولم تذع كلمة النثر حتى تحضروا وتثقفوا وانتشرت بينهم الكتب. وكان الشعر والنثر معا في بدء أمرهما مختلطين بالدين والدولة، فشاعر القبيلة كان وزير دعايتها بتعبير العصر الحاضر، والشعر والسحر والكهانة والعرافة والتنبؤ والسجع كانت معاني وألفاظا متلاحمة الوشائج. وقد كان للدين بين العرب من أقدم عصورهم مكان، وأخرجت جزيرتهم عدداً من الأنبياء عديداً، وكان الشعر إلى ظهور الإسلام ينشد في المواسم الدينية، وتخاطب به الآلهة، من ذلك قول بعض اليمانيين في طوافهم:

عك إليك عانية ... عبادك اليمانية

ولم يفصم الشعر والنثر العربيان يوما علاقتهما بالدين والدولة، بل ظلا طول عصورهما على اتصال بهما متين؛ بل بفضل الدين احتوى النثر العربي على أثر فني لا يجاري بلاغة، بل هو نموذج البلاغة الذي ظل يحتذى ويدرس ويقتبس في النثر والشعر معا طول العصور، وهو القرآن الكريم، وبقيام الملك على أساس ديني اتصلت علاقة الأدب بكلا الملك والدين، وظل الشعر يتقرب إلى الحكام بالمدح، والنثر يعمل في دواوينهم، ولم يخرج الأدب العربي خروجا تاما من طور خدمة الملوك، إلى الطور الفني الخالص المنزه عن كل غرض خارجي أو مطلب مادي، وإنما ظل الشعراء والكتاب يعتمدون على رعاية الأمراء، ويسخرون فنهم لخدمتهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>