وتوالت أطوار الشعر والنثر في تاريخ الأدب العربي: فسبق الشعر في الجاهلية، وحل محله النثر في صدر الإسلام متمثلا في الكتاب الكريم وخطب الرسول وخلفائه وكتبهم وكتب عمالهم، واستعاد الشعر مكانته في عهد الأمويين على ألسنة جرير والفرزدق والأخطل وجميل وكثير وابن أبي ربيعة وأضرابهم؟ وعند ذلك كان العرب قد تشربوا الحضارة والثقافة، فظهر النثر الفني على أقلام عبد الحميد وابن المقفع والجاحظ والبديع؛ وبلغ الشعر في الوقت نفسه أوجه على أيدي معاصري هؤلاء من الشعراء، كبشار وأبي نواس والطائي والبحتري وابن الرومي والمتنبي والمعري، ثم أفل نجم الشعر بدءا من القرن الخامس وأفسده التعمل، وأعوزته روح الطموح والمغامرة التي غاضت من نفوس الأمة التي أرهقها المتسلطون، وبقيت للنثر بقية من قوة مستمدة من نضج الثقافة الإسلامية، فكان العصر التالي طور نثر طويلا أنجب من النقاد والمؤرخين والكتب أضراب ابن خلكان والنويري والقلقشندي وابن رشيق وابن خلدون، ممن كان هم أكثرهم جمع الآثار الأدبية والتاريخية المتخلفة من العصور السالفة، وتنظيمها والتعليق عليها. ثم لحق الوهن والإسفاف النثر كما لحق الشعر. فلما كانت النهضة الحديثة، كان الشعر أسبق إلى النهوض والحياة والتخلص من شوائب الصنعة والتقليد، فالشعر أسبق من النثر إلى الازدهار وأسبق منه إلى الذبول.
كان الشعر أسبق إلى الظهور والرقي في الجاهلية، وكان العرب يعدونه ديوانهم، وكانت له لديهم مكانة عظيمة، وقد ظلت له هذه المكانة على توالي العصور، على رغم ظهور النثر الفني ورقيه وحصول الكتاب دون الشعراء على المراتب السامية كالوزارة؛ وظل الشعر أعلق بالنفوس وآثر بالحفظ والذكر، ولم يسايره في الحفظ والسيرورة من آثار النثر إلا القرآن الكريم، وهو مملوء بالروح الشعري حافل بالتشبيهات والمجازات البليغة. ولما ارتقى النثر الفني راح يتتبع خطى الشعر: يقتبس أبياته ويضمن شطراته، ويتناول موضوعاته، ويحاكي موسيقاه ووزنه، فاصطنع السجع والازدواج والجناس، وأصبح السجع في النهاية للنثر لازماً لزوم القافية للشعر. والحق أن الأدب العربي بفنيه الشعر والنثر اتسم دائما بالاحتفاء باللفظ وجرسه وتنميقه، والأسلوب وتقسيمه وتدببجه، وقد ظل ذلك مستساغا مقبولاً حينا ثم أفرط وسمج. وظل الشعر العربي شديد الحرص على فخامة