الشعر، وأن الشعراء يخدمون الكتاب ويأخذون هباتهم. وأن الكاتب يجلس والشاعر ينشد وهو قائم وهلم جرا.
نشأ الشعر والنثر الإنجليزيان كذلك على صلة بالدين والدولة، وكان مزاولوهما الأوائل أمثال تشوسر وسبنسر وهوكر من رجال السياسة والدين والحرب، أو كانوا على اتصال بالساسة والمحاربين وعلماء الدين. ومن الكنيسة خرج فن التمثيل ذو الصلة الوثيقة بالأدب، فكان قوامه الشعر أولا على عهد شكسبير؛ ثم إنجاز تدريجاً إلى النثر؛ وكان للإنجيل أثر بليغ في اللغة الإنجليزية؛ غير أن الشعر والنثر ما لبثا بعد ذلك أن انسلخا تدريجاً عن الملك والكنيسة والأحزاب والأعيان، واعتمد كلاهما مكان أولئك جميعاً على الجمهور القارئ، ودخلا في طور الفنون الخالصة التي لا غاية لها سوى وصف مشاعر الإنسان وشعوره بجمال الحياة وغبطاتها، وهو الطور الذي لم يبلغه الشعر والنثر العربيان تماماً، بل قام من الأدباء الإنجليزي من ناصبوا الملكية والكنيسة، مثل شلي وبيرون
وكان الشعر الإنجليزي أسبق إلى الازدهار من النثر: فبلغ أوجه في عهد اليزابث في آثار شكسبير ومعاصريه، وتجلت الروح الشعرية حتى في النثر القليل الذي خلفه ذلك العصر الحافل بروح الإقدام، فهوكر مثلا وهو يدرس مسائل دينية يعرج فيصف الموسيقى وصفاً شعرياً زائفاً؛ وتلا ذلك طور نثري طويل في القرن الثامن عشر، بلغ فيه النثر الغاية من السلاسة ورحب الجوانب، ثم كانت هبة قومية جديدة فنهض الشعر في العهد الرومانسي نهضة باهرة، وكان كثير من شعرائها كتابا حذاقا أيضاً تفيض كتاباتهم النثرية بما تفيض به أشعارهم من روح رومانسية؛ ثم ارتقى النثر في أعقاب ذلك مرة أخرى، فظهر من النقاد ماكولي وارنولد، ومن القصصيين ثكري ودكنز، ومازالت القصة في ازدهار مطرد
وبلغ النثر الإنجليزي من الرقي الشكلي والموضوعي ما لم يبلغه النثر العربي: فظهرت فيه المقالة والصورة والترجمة والتأريخ والقصة الفنية. وبهذا كله تهيأ له أن يزاحم الشعر على مكانته، لاسيما بفضل القصة والرواية التمثيلية، بل هو انتزع الرواية التمثيلية من الشعر واستأثر بها. والقصة اليوم تستقل بأسماء أعلام الأدب الإنجليزي، وقد مارسها أكبر شاعرين محدثين: كبلنج وهاردي، بل كانت ممارسة النثر بجانب الشعر دائما من أدب شعراء الإنجليزية، يبسطون فيه آراءهم في النقد الأدبي والأحوال الاجتماعية. فكان دريدن