الخارجي وكان يؤثر واحداً بين شعرائه الكثيرين، وقد اتخذه صاحبه ومرشده الديني في هذا الجو الشرقي المشبع بالمتعة والحنين. وهو شمس الدين محمد حافظ الشيرازي أرق شعراء الفرس الغنائيين.
وزاد اعتزال جوته لما حوله، وأبعد بفكره، أميالا بعد أميال، وارتفع أطباقا فوق أطباق، وتخلص من قيود الزمان والمكان وانفتحت له من ديوان حافظ الشيرازي أبواب الشرق، الشرق مهد الإنسانية، بما فيه من أوضاع للشعر والاجتماع والأخلاق والدين تختلف عما يعهد). فخلص جوته من هذه وتلك إلى صميم الحياة، إلى الوحدة والبساطة.
وكانت أشعار حافظ تكشف لجوته عن حياة تمت إلى حياته بأقرب وشائج القربى. حياة حياها هو أيضاً، حياة نفس تتقبل الوجود بمنتهى الحرية والمتعة، وتناجي الغيب دون أن تقطع ما بينها وبين الأرض. وتواجه التعصب والجمود بالتصوف الحي والإحساس بالشمول. لكأنما هي حياة جوته هذه التي يحكيها حافظ. الممالك تنهار ويقوم الحاكمون في إثر الحاكمين فلا تسمع منها غير الغناء يتحوى نفوسهما وأشجانها الحلوة وأسرارها الخالدة. وكلاهما يقف وجهاً لوجه أمام قاهر طاغية - هذا أمام تيمورلنك، وهذا أمام نابليون، فلا تنخذل عبقرية الأدب في وجه عبقرية الحرب. إن جوته لمأخوذ بهذه المشابهة يهتز لها من أعماق نفسه. فهو يعلم ما لهذه اللحظة من خطر. إذ يتصل فيها الجنسان باتصال نفسين كبيرتين من الجانبين. وهذا هو جوته يحس باستكمال شطره الثاني، يحس بالشرق والغرب يلتقيان فيه. وتضمهما دفتا كتاب واحد يخرجه للناس هو (الديوان الشرقي للمؤلف الغربي).
وأبواب الديوان اثنا عشر باباً؛ وهذه هي بأسمائها الشرقية على الترتيب: كتاب المغني. كتاب حافظ. كتاب حافظ. كتاب العشق. كتاب التفكير. كتاب السخط. كتاب الحكمة. كتاب تيمور. كتاب زليخا. كتاب الساقي. كتاب المثل. كتاب الفرس. كتاب الخلد. وفيما يلي ترجمة القليل من روائع هذه الأسفار:
نشيد الهجرة
(الشمال والغرب والجنوب أقطار تتناثر بدداً، وعروشها تنثل وممالكها تنهار. فهاجر وامض إلى الشرق الطهور، تستروح الطيب من الآباء الطيبين. وبالحب والنشوة والغناء يرد عليك ريعان صباك كأنما نضح عليك من نبع الشباب السرمد الخضر عليه السلام.