بخطرها وأهميتها مذ نشبت الثورة في إسبانيا. فالعلائق الإيطالية الإنكليزية، والنضال بين إنكلترا وإيطاليا في البحر الأبيض المتوسط، تلعب اكبر دور في تطور المسالة الإسبانية، وفي سير الحوادث الدولية بوجه عام. والمسالة الإسبانية ليست إلا واحدة من مسائل عديدة يثيرها النضال بين الدولتين في هذا البحر؛ وإيطاليا لم تنس موقف إنكلترا في المسالة الحبشية. ولم تنزل عن شيء من أحقادها ومشاريعها رغم عقد اتفاق (الجنتلمان) بينها وبين إنكلترا على احترام الحالة الراهن في البحر الأبيض المتوسط. وإذا كانت إنكلترا تمضي اليوم في تنفيذ برنامجها الدفاعي الهائل فلأنها اعتبرت حوادث الحرب الحبشية، وشعرت بالخطر الذي يهدد سيادتها الإمبراطورية من جراء تفوق التسليح الإيطالي في البحر الأبيض المتوسط وهي تستطيع اليوم بعد أن قطعت شوطا كبيرا في برنامجها الدفاعي أن تقف في وجه السياسة الفاشستية وان تناوئ أطماعها الخطرة. ولم ننس بعد تلك المعركة الصحفية المرة التي أضرمت بين الصحافتين البريطانية والإيطالية، من جراء أقوال (الدوتشي) ومزاعمه المغرقة في طرابلس حول حماية الإسلام والعرب، وما أثارته تلك المزاعم من سخرية لاذعة في العالم الإسلامي.
ولنلاحظ إن هذا النضال بين السياستين البريطانية والفاشستية كما انه يحدث أثره في المسألة الإسبانية أو غرب البحر الأبيض المتوسط، فإنه يحدث أثره العميق أيضاً في شرق هذا البحر ففي الأشهر الأخيرة نشطت السياسة الإيطالية قي البلقان وفي أوربا الوسطى، وأحرزت أخيراً نجاحا يذكر بعقد الميثاق اليوجوسلافي الإيطالي، ومن المعروف أن العلائق بين إيطاليا ومنافستها القوية في بحر الادرياتيك لم تكن على ما يرام، فعقد هذا الميثاق يحسم كثيرا من أسباب النزاع بينهما، ويضمن لإيطاليا حيدة يوجوسلافيا إذا وقع الصدام بينها وبين دولة أخرى، كما انه يضمن ليوجسلافيا مثل هذه الحيدة؛ والظاهر أن السياسة الإيطالية تسعى إلى عقد مثل هذا الميثاق مع المجر حيث تتمتع بنفوذ واضح، ومع تركيا الكمالية أيضاً. فإذا تم عقد هذه المواثيق، فان إيطاليا الفاشستية تسوي بذلك علائقها في شرق البحر الأبيض المتوسط وتأمن غائلة الاعتداء من هذه الناحية، وتستطيع أن تتفرغ لمقاومة السياسة البريطانية في أواسط البحر الأبيض المتوسط وفي غربه أعني في إسبانيا