اللاتينيين ما يعيبهم به من المجاملة واللباقة في النقد لم يرد أن يصارح الأستاذ أنطون جميل بأن كتابه لا يرضيه من كل وجه لأنه حريص على مقدار ولو محدود من المجاملة بين الزملاء. ولم يرد أن يعيد على الناس حديثه في شوقي وشعره لأن شوقي قد مات منذ وقت قصير والنظم الاجتماعية تقضي بشيء من المجاملة للموتى وللذين رزئوا فيهم أشهراً على اقل تقدير. لم يرد هذا ولا ذاك. ولم يكن يستطيع أن يهمل كتاب الأستاذ أنطون الجميل فضلا عن أن يقرضه تقريضاً خالصاً لأن في هذا أو ذاك ظلماً لرأيه وكتمانا لما يعتقد أنه الحق فسلك في نقده هذه الطريقة الغريبة التي لا تخلو من التواء. اعتذر للأستاذ أنطون الجميل بثقافته اللاتينية وأخذه المذهب اللاتيني في النقد عما تورط فيه من خطأ بين وحكم غير مستقيم على شعر شوقي. ولست ادري أظفر الأستاذ العقاد بإرضاء الأستاذ أنطون الجميل أم لم يظفر؟ أوفق إلى مجاملته أم لم يوفق؟ أوفق إلى مجاملة شوقي والذين رزئوا فيه أم أخطأه هذا التوفيق؟ لست ادري ولكني اعلم علم اليقين أنه ظلم الثقافة اللاتينية وظلم النقد اللاتيني وظلم قراءه جميعا وأظن أن إرضاء الأستاذ أنطون الجميل أو مجاملته أهون على الأستاذ العقاد وأهون على الأستاذ الجميل نفسه من ظلم العلم والأدب والقراء جميعا.
واغرب ما في هذا الفصل الذي كتبه الأستاذ العقاد تناقض لست ادري كيف تورط فيه وهو فيما أعلم من أشد الكتاب المعاصرين في الأدب استقامة في الحكم وإيثارا للقصد وحرصا على الإصابة في التفكير. بدأ الأستاذ فصله بأن من العسير جدا أن يوفق الناس إلى الحق حين يعممون أحكامهم على الأمم والشعوب. وعلل ذلك تعليلا حسنا مستقيما ولكنه لم يلبث أن التمس لنفسه وسيلة للحكم العام على الأمم والشعوب. بل على ما هو أعم من الأمم والشعوب على الأجناس. فزعم أولا أن للاتينيين مذهبا في النقد وان للسكسونيين مذهبا آخر وان هذين المذهبين يختلفان فيما بينهما اشد الاختلاف. وزعم بعد ذلك أن أخص ما يمتاز به المذهب اللاتيني (الأناقة). وأخص ما يمتاز به المذهب السكسوني (البساطة) أو (الفطرة).
وفسر هذا بأنك إذا قرأت الناقد الفرنسي رأيت رجلا أنيقا لبقاً يقدم في أحد الصالونات كاتبه الذي ينقده على الأوضاع الاجتماعية المألوفة مجاملا متكلفا وقد يومئ إيماء خفيفا إلى