هذه الخيالات إنما تصاغ بتأملات مركبة تركيبا سيئاً وهكذا يظل المقطع - بدون انقطاع - مشوشا يتجاذب الخيال الشعري والعقل الشعري، والصورة والرمز، ثم يغدو الشاعر كجنية سكرى بالحياة الناعمة الخالية من الفكر، والإنسان يغدو صديقاً كئيباً لعيون الأحلام والعلم وليس من الضروري أن يتناوب هذان الصوتان فقد يتعالى الصوت الواحد ممتزجاً بصدى مظلم ضجر يمل الصوت الآخر.
إننا لا نقدر أن نعرف هل يتركب الشعر من أحلام مزوقة ملفقة، أو من أخيلة الماضي والذكريات؟ أن ما نراه في مقاطيع الشاعر كائنات غير مثبتة، ليس لها أسماء ولا أوطان، لا هي أرضية ولا هي سماوية هي بعض كائنات، هي عابرات راحلات غريبات، ظلال، وجنيات، لا ندري هل زوقها الشاعر بحياة الأحلام أو بالحياة التي قضاها، ذلك ما لا ندريه ولا يدريه الشاعر. الشعر الرمزي يتولد من هذا الاهتزاز الغير المحسوس ويتم عمله حيث لا تلفيق ولا حقيقة، ولكن حقيقة ملفقة واحدة هي ابنة الحلم الباطني
على أن هذا الشعر الرمزي في كثير من الأحيان يتخذ له طريقة التعبير المدرسي وإذا كان تعبيره يظل مائعاً، وفكرته تبقى فكرة تلقين متحركة هادئة فان الصورة تخرج شيئاً فشيئا من الضباب الرمزي لكي تتوقع بأشكال موجزة رقيقة ولوحات جميلة، قصور تتآلف من ضباب وحدائق تغرس من أحلام حيث يخيل إلينا أن يداً مفكرة شالت تماثيل من رخام أواني من البرونز وطاقة من الزهر. ووردة واحدة ساطعة خافقة.
جول لافورج
يختلف تأثير شعر (لافورج) عن تأثير (شعر هنري دي ريني) فهو لا يعمل على أن يحيا في مثل أعلى من البساطة والجمال اليوناني، لقد غره شك يائس قاتم تسرب إليه من الشك الرومانتيقي وملأ قلبه يأساً. وساعد على ذلك ما ابتلى به من صحة معتلة وحظ انكد، لقد كان يطمع في أن يحيط عقله بأسرار هذا الوجود. فدرس كثيراً والتهم الفلاسفة التهاماً ولكنه عاد خائباً لأنه لم يجد في هذه التعاليم التي درسها إلا ظلاماً اتهاماً ومتناقضات! ورسا في ذهنه أن اقرب هؤلاء الفلاسفة إلى عقله هم من علموا (الجهل الإنساني) والوهم الضروري وانسياق الإنسان إلى مقادير عمياء. هؤلاء هم فلاسفة (اللا شعور) والقدرية منهم (هارتمان وشوينهاور). العاقل يجرب أن يصل إلى التنسك بشعوره بزوال هذه