الاخيلة، وبتأمله هذا العقل المضطرب اضطرابا أبدياً في هذه الجداول من الكواكب. إن هذا العقل لا يصرفه عن أن يكون شاعرا أي صارف والشعر - بين الأخيلة الباطلة - هو اقل هذه الأخيلة خداعا. وربما هبطت أغنية عليتا لحظة وهزت حظوظنا البائسة السوداء. يمكننا أن نفكر في يساء نواعم، لأن هذه الكائنات حسنة. أو أن نستدعي - كما فعل قيني - الأبواق: الأبواق الكئيبة. بشرط ألا نخدع بأوهامها؛ الشاعر ليس بإله ولا بساحر ولا بكائن يفارق البشر. الشاعر هو موقع، وموسيقي يحسن التوقيع والضرب على القيثار.
كل الشعراء أرادوا أن يترجموا الشعر، واختلفوا اختلافاً شديداً في كنه الشعر ولكنهم ظلوا على أرستقراطيتهم يحقرون الحقيقة لأنها حقيقة الشعب كما انهم خدعوا بالأوهام البهيجة. أما شاعرنا فهو لا يريد أن ينتقي أوهامه انتقاء هو يتقبلها كما هي وكما تتمثل له يتقبل منها على السواء ما ينير فيه كآبته وسامته. وما يذهله عن هذه الحياة في وادي الأحلام. يتقبل منها أوهام الحياة السطحية والأوهام التي تلتف بالكائنات لتسبر أغوارها وتكشف أسرارها
أن (لافورج) قد هدم قاعدة قوية في الفن هي قاعدة وحدة اللهجة الشعرية، وأثر تأثيرا كبيرا في بعض شعراء العصر الحاضر.
اتباع المدرسة الرمزية
تهاوت على المدرسة الرمزية سهام نافذة من النقد ونوزعت نزاعاً عنيفاً وما كاد القرن التاسع عشر ينصرم حتى فقدت هذه المدرسة مذهبها كمدرسة ولكنها مهما ذهب الأمر فيها فقد ساعدت على خلق أجواء جديدة من الفن والشعر تختلف عن الأجواء التي خلقتها المذاهب المدرسية والإبداعية والواقعية. هؤلاء تحروا عن مثلهم الأعلى في دلائل الحياة والأعمال والتجارب العلمية ووضوح الأشكال الفنية. هب علماء وفلاسفة يعلنون أن اليقين الذي حمله العلم إن هو إلا يقين الاصطلاح وأعمال الظواهر أما الحقيقة فلا تزال مكتومة. لم تنجح كل هذه الأسباب في إزاحة الستار عنها. وبهذا بدأ فشل العلم وبفشله فشلت الحقيقة الظاهرة. ولكي نجد الحقيقة سواء كانت الحقيقة الأخلاقية أو الاجتماعية أو الفنية ينبغي لنا أن نفلت من هذا العالم المحسوس الذي لا فائدة ترجى منه إلا الفائدة العملية هذا العالم الذي طالما خدعتنا مظاهره وبياناته الكاذبة وإذا كان للحقيقة وجود فهي موجودة في عالم خفي. .