عني كل قافية، والرسل في كل فترة تعتبني والأمير يستحثني فما زلت أحاول وأداول حتى انفتح لي شيء فجئت بأربعة أبيات رضيتها إذ وقعت صحيحة المعنى، سهلة اللفظ، ملائمة لما طلب مني، وأخبرت عنها الوزير فقال في لهجة المستعجل: هاتها ففي اقل منها مقنع. وفي ذهاب الرسول ورجوعه قلت بيتين من غير الروي، ثم كتبت الأبيات الأربعة في صدر الرقعة وعقبت بالبيتين فقلت:
العاشقان كلاهما متغضب ... وكلاهما متوجد متعتب
صدت مغاضبة وصدَّ مغاضباً ... وكلاهما مما يعالج متعب
راجع أحبتك الذين هجرتهم ... إن الميتم قلما يتجنب
إن التجنب إن تطاول منكما ... دب السلوله وعز المطلب
ثم كتبت تحت ذلك:
لا بد للعاشق من وقفة ... تكون بين الهجر والصرم
حتى إذا الهجر تمادى به ... راجع من يهوى على رغم
فدفع يحيى بالرقعة إلى من حملها إلى الرشيد، فلما وقف عليها قال: والله ما رأيت شعرا أشبه بما نحن فيه من هذا، والله لكأني قصدت به قصداً، ثم أخذ يعاود قراءتها وهو يقول: نعم! نعم! راجع من يهوى على رغم أي والله أراجع على رغمي، لقد تمادى الهجر فلا بد أن أراجع، هات يا غلام النعل، ونهض فوصل ما انقطع وكأن الخليفة قد أذهله السرور، فلم يسأل عن الشاعر الذي اطربه، ومضت فترة الرجاء وحسبت أني نسيت فراودت نفسي بالانصراف وغدوت على يحيى أستأذنه في ذلك فقال: مهلا يا عباس! لقد أمسيت أنبل الناس، إن ماردة لما وصلها الخليفة سألت عما حمله على ذلك فعلمت انه الشعر، وقد همها وهم الخليفة أن يعرفا الشاعر الذي قدم لهما هذه اليد فجاء الرسول يسألني في ذلك فقلت له انه (العباس بن الأحنف) فأمر لك الخليفة بجائزة طائلة، وأمرت لك ماردة بأخرى ولك مني يا عباس الثالثة، وان من تمام اليد عندك ألا تخرج إلا في الزي الجليل، والمركب الفاره!!
فهذا يا إخواني ما عاقني عنكم، فهلموا أقاسمكم ما نلت وأشاطركم ما كسبت فأبينا وأبى، وتمنعنا وأصرّ. ثم ذكر لنا الجارية، وقال هيا نمضي إليها حتى نشتريها، فمشينا إلى صاحبها وكانت جارية حلوة ظريفة لا تحسن شيئاً، اكثر ما عندها ظرف اللسان وتأدية