للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فوقها من يحفل العلم والمجد والجلال!

أو ليس من أعجب العجب، يا قومي، أن آثارنا لم يبحث عنها ولم يكشفها إلا هؤلاء الأوربيون؟ إن في دمشق قريتين هما معلولا وجبعدين تتكلمان السريانية منذ خلقتا، فما فكر أحد في درس هذه اللغة ومعرفتها، حتى جاء هذا المستشرق الشاب، رايخ النمسوي من أخر الدنيا ليدرسها. . . بل هذه هي سر من رأى، ما نقب فيها وكشفها للناس إلا هرسفلد الألماني، الذي حفر فيها سنة ١٩١١ كلها وبعض سنة ١٩١٣ بإشارة من أستاذه ساره وبنفقة المصرف الألماني وبعض كبار الألمان. بدأ الحفر في قصر المتوكل ثم انتقل إلى الجوسق، وإلى القصر المعروف بقصر العاشق، واستخرج من هذه البقعة الصغيرة كراثم الآثار ونفائس الأعلاق، التي انتقلت إلى ألمانيا، وبقيت لدينا نسخ معدودة من هذا الكتاب الجليل الذي أخرجه هرسفلد في مجلدات كثيرة فيه صور هذه الآثار باهرة مدهشة حقاً؛ وهو يصف في المجلد الأول نقوش الجدران وزخارفها، ويقول أنه لم تكن تخلو دار من هذه النقوش الجصية البارزة الملونة أحياناً؛ وفي الثالث الرسوم والصور، وأكثر هذه الصور مما وجد في حمام الجوسق، وقد حلت هذه الصور مشكلة قصر المشتى الذي كشف سنة ١٩٠٨، ويتحدث في جزء عن الأواني الزجاجية والخزفية، وقد ظهر أنه كان في سر من رأى معمل الزجاج، ومعمل للأقمشة وجدت بعض قطع ملونة من مصنوعاته.

ومن أهم ما تمتاز به المدينة شوارعها، التي لا تكاد تحوي مثلها (اليوم) مدينة في العالم، فقد كانت كلها مستقيمة متقاطعة بانتظام عجيب، والشارع الأعظم، (وآثاره باقية) يمتد بعرض مائة متر، ودورها التي كان أكثرها كبيراً في خمسون غرفة، وفيه مجار الماء وبرك، ومجار أخرى للماء القذر، وحمامات وسراديب للصيف على نظام يكفل لها حسن التهوية، وكان أكثر الدور على طراز واحد، فهي ذات ردهتين: ردهة حيال الباب تفضي إلى ردهة أخرى مستطيلة، عمودية عليها والغرف من حولهما.

وقد صحب هرسفلد رجل عسكري يدعى (لودلوف) متخصص

برسم المصورات، صنع خريطة للمدينة مفصلة بنسبة

٢٥٠٠٠١ وصحبه رجلان مختصان بالنقوش هما (بارتوس

<<  <  ج:
ص:  >  >>